عند الاطلاع ودراسة الأحكام الفقهية التقليدية المتعلقة بالزواج وشروط النكاح، نجد أنها تركز على الرجل دون المرأة.
فعلى سبيل المثال: يقول الفقهاء «الزواج واجب على الرجل لإعفاف نفسه وصونها عن الحرام»، بينما لا نجد مثل هذه العبارة فيما يتعلق بالمرأة!.
كما يقول الفقهاء أيضا «يُسنّ لمن أراد الزواج أن يتزوج المرأة الودود الولود البكر. وأفضل النساء المرأة الصالحة التي تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره، وتفعل ما أمرها الله به، وتجتنب ما نهى الله عنه»، وبالطبع فإن مثل هذه السنن بالنسبة للمرأة لا يتحدث عنها الفقهاء على عكس الرجل!.
ومن الشروط التي وضعها الفقهاء لصحة «عقد الزواج»: موافقة الولي المسلم: وهو الأب أو الأخ أو الجد أو الأعمام أو بنو الأعمام وإن بعدوا، ثم يأتي بعد هذا الشرط الإيجاب والقبول أي موافقة المرأة والرجل، فيقول الولي نيابة عن المرأة زوجتك فلانة، ويقول الزوج له قبلت منك تزويجها، وبالطبع فإن الرجل لا يحتاج إلى وجود شرط الولي حتى يتزوج بعكس المرأة.
وبناءً على ما سبق، نجد في بعض الموروث الفقهي أحكاما وفتاوى وتفاسير تضع المرأة في مكانة دونية وأقل من الرجل، وهي منبثقة في الحقيقة من عقلية المجتمع الذي استمد منه بعض الفقهاء اجتهادهم، ثم تكونت وتشكلت ذهنيتهم وتصورهم عن المرأة، وبالتالي أصدروا أحكاما فقهية تتناسب مع تصورهم الذهني المسبق عن المرأة، ومن واقع ثقافتهم ومجتمعهم الذي عاشوا فيه.
وبعض فقهاء اليوم مجرد مقلدين وتابعين لتلك الأحكام المنبثقة من الثقافة الذكورية للفقهاء التقليديين. فعلى سبيل المثال: يستند الفقهاء في شرط موافقة الولي إلى قول الله تعالى: «فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»، وإلى قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، «لا نكاح إلا بولي»، فرغم أن فتاوى الفقهاء القدامى في هذه المسألة جاءت من باب الاحتياط الوجوبي، إلا أن السائد عند فقهاء اليوم أن وجوب موافقة الولي هو حكم من أحكام الشريعة الإسلامية، وبدونه يبطل عقد النكاح!.
الأصل في الإسلام أن المرأة كاملة وتامة الأهلية، ويرى الإمام أبوحنيفة -رحمه الله- صحة تزويج المرأة الرشيدة نفسها، وعلى هذا الأساس تكون الولاية على خلاف الأصل، لأن كل إنسان بالغ عاقل راشد له أن يستقل في التصرف بجميع شؤونه، ومنها الزواج واختيار شريك الحياة، وفي رواية ابن عباس، رضي الله عنه، «أن جارية بكرا أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت: أن أباها زوّجها، وهي كارهة، فخيرها رسول الله، صلى الله عليه وسلم»، وفي رواية أخرى أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال «أجيزي ما صنع أبوك، فقالت: لا رغبة لي فيما صنع أبي، فقال: اذهبي فانكحي من شئت»، ويدل هذا الحديث على أن موافقة الولي جاءت بالإجازة للاستحباب لا للوجوب، كما أنه من الأدب واحترام الوالدين أن يستشير الرجل والمرأة والديهما في أمور الزواج، وحديث «لا نكاح إلا بولي» معناه أن يكون من مهام الولي تسهيل الزواج وتأمينه، وتوفير عوامل الاستقرار له ورعاية مصالح الفتاة.
لقد أفرزت شروط الفقه التقليدي في صحة عقد الزواج، مشاكل اجتماعية تتمثل في إكراه المرأة على الزواج أو منعها منه، أو تزويجها بغير علمها وموافقتها، فالمأذون الشرعي إذا كان متساهلا أرسل دفتر الأنكحة مع الولي ليتم التوقيع عليه من الفتاة، أو يسألها مباشرة عن رأيها دون أن يتأكد من هويتها، وعلى هذا الأساس يتم استغلال المرأة لأسباب مادية، كالطمع في راتبها أو المزايدة على مهرها، أو تزويجها من أجل المصالح الشخصية للولي، أو الخضوع التام للتقاليد والأعراف الجاهلية، مثل تكافؤ النسب أو زواج الأقارب، وعلى الرغم من صدور عدة قرارات عدلية تحمي المرأة في مجال الأحوال الشخصية؛ من بينها: نزع الولاية عن ولي المرأة التي تتعرض للظلم والعضل، إضافة إلى اعتبار العضل من أوجه الاتجار بالبشر، إلا أن المرأة ما زالت واقعة بين نارين: نار العنف، ونار الإقصاء والطرد من الولي، فبمجرد لجوء المرأة إلى المحكمة وتقديم دعوى العضل، فهذا يعني نشأة الكراهية لدى الولي، فقد خرجت المرأة عن طوعه، وتمردت على إرادته، فأصابت رجولته في مقتل، وتسببت في فضيحته أمام الناس، لذا ليس أمام المرأة إلا الهرب من الأسرة، أو اللجوء إلى دور رعاية الفتيات.
إن المرأة كإنسان لها حق في اختيار شريك حياتها، كحق أصيل وفطري، ورضا وقبول المرأة بالزوج هو أهم شرط في صحة عقد الزواج، وليس لأحد الحق في الاعتراض أو فسخ زواجها، وهذا ما منحته الشريعة الإسلامية للمرأة من حرية الاختيار، والولي لا يملك حق الإلزام والإجبار. فمتى يتم النظر في أحكام فقه الزواج وتقنينها؟.