كانت الساعة بالتقريب الواحدة بعد منتصف الليل بالتوقيت المحلي عندما كنت أستمع لخطاب دونالد ترمب إلى حشد انتخابي عند الظهر بتوقيت ولاية «المسيسبي» الأميركية. ضحكت بابتسامة دهشة وهو يقول: «لقد قلت للملك سلمان، وهو صديقي، أن السعودية لا تستطيع البقاء دون حمايتنا، ولذا عليكم دفع ثمن الحماية». بعدها ذهب كثر إلى الاعتقاد بأن فخامة الرئيس الأميركي يحتاج إلى دروس في كياسة السياسة. أما أنا فأجزم أنه بحاجة إلى دورة طويلة جداً في التاريخ على الأقل كي يعرف أننا هنا لأكثر من أربعة قرون من تتابع الحكم السعودي، وكلها بالتقريب بحماية ذاتية خالصة. نحن هنا كدولة سعودية ولدنا حتى قبل يوم الاستقلال الأميركي.
هو على الأقل بحاجة إلى تذكيره بثلاث حالات من تاريخنا القريب جداً مع علاقة الحماية الأميركية. الأولى، أيام حرب أكتوبر عندما أوقفت السعودية تصدير النفط فلا زالت صور الأميركيين في طوابير الوقود ماثلة للبيان، وكنا تحت نيران الإعلام والساسة في كل الغرب. اغتالوا الملك ومضى الشعب والقيادة بعده كفاً بكف حتى اللحظة. الثانية، بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حينما كانت أميركا السياسية والإعلامية تظن زوراً أننا في مهب الريح لكننا لم ننحنِ للعاصفة
ولا زلنا قيادة وشعباً حتى اللحظة. الثالثة، في ثمان سنوات من حكم أوباما الذي انحاز لإيران وجماعة الإخوان وكل فوضى الخريف العربي، لم نكن هنا تحت حماية أميركا في أيامه، ولو لظرف ساعة، ومع هذا مضينا واحة أمن وسلام مدهشة في هذه الخريطة الملتهبة على كل اتجاهات البوصلة. دونالد ترمب بحاجة لأن يعرف أننا البلد الوحيد على وجه الأرض الذي يشتري سلاح حمايته بالكاش. مشاة البحرية الأميركية يذهبون بالمجان إلى اليابان وكوريا وقطر وألمانيا، ومساعدات أميركا العسكرية تذهب بالدولار إلى إسرائيل والباكستان وتركيا وإلى ما يقرب من خمسين دولة أخرى، بينما نحن ولله الحمد زبائن قوة المال والريال السعودي، وسنذهب به إلى كل مصنع في الشرق والغرب. السعودية لم تنته ولم تذب لأربعة قرون حتى يهددها دونالد ترمب بتجربة أسبوعين.