من يقرأ محاور ومداخلات اجتماع مديري عموم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأخير في بريدة يلمح أن الجهاز الموقر بدأ يتعامل بواقعية مع الطرحين الإعلامي والاجتماعي دون إفراط في حساسية تتجاوز ظنون النقد. الرئيس العام يدعو إلى أن يكون العام القادم عام التطوير والتغيير في أساليب العمل الميداني، وفي الجهة الأخرى يدعو أحد أركان الجهاز البارزين إلى الانفتاح على الإعلام والتواصل معه بإيجابية وشفافية. يخطئ من يظن أن الطرفين – الإعلام والهيئة – قادران على إسكات كل منهما الآخر، فعدا أن ذلك لم يكن هدفا ولا وسيلة لأي منهما، فإن الحقيقة ستبقى في أن عمل الهيئة شعيرة وركيزة أساس في المعتقد والتطبيق، والإعلام سيظل سلطة رقابة. يستطيع أي جهاز أن يتكتل ضد كاتب أو مطبوعة ولكن من هو القادر بزعمه على إسكات هذا الزخم الإعلامي في الكتلة والمجمل؟ وسنكون مخلصين مع الجهاز الموقر ونحن نهدي إليه نقطتين: الأولى أن زخم البيانات اليومية عبر نشر الوقائع المتتالية، مهما كانت صحتها، دلالة إثارة أكثر من كونها دلالات عمل. نحن لسنا مع الانحراف والخطأ في حالة حرب تستحق مثل هذه البلاغات التي تحولت إلى ديدن، ثم إن الهيئة الموقرة ليست في حاجة إلى إثبات الذات وبرهنة الوجود عبر هذه البيانات التي تذكرنا ببيانات المساء العروبية من قلب الجبهة. ومع 25 مليونا من السكان، لابد من حتمية الجنح بين غالبية الفضيلة، أما أن تقول الهيئة إنها باشرت في العام الماضي ما يقرب من نصف مليون واقعة فهذه مبالغة نسبية هائلة تعني أن فردا من بين كل خمسة أفراد كانوا في وقوعات الهيئة، هذا يعني أن فردا من كل أسرة كان في قبضتها لخطأ أو جنح وهو أمر يستعصي على المنطق.

الثانية أن الجنح بالتحرش أو الشذوذ بالمسكر وما شاكل كل ذلك من دائرة اختصاص هذا الجهاز يحتاج إلى ردع قانوني وإلى ضبوطات أمنية خالصة.

كل ما أخشاه أن الجهات المسؤولة عن هذه المخالفات الاجتماعية الخطيرة قد رفعت يدها من حولها – في مسألة القبض- كي لا تتداخل في المهام مع جهاز الهيئة. ومن هنا نلاحظ هذا الجنح المخيف في ازدياد انتهاكات مثل التحرش على سبيل المثال، لأن الجاني بات يشك – وهو مخطئ- أنه لن يكون في قبضة القانون وتحقيقات الأمن مثلما هو المتبع في كل بلدان الدنيا التي جعلت منه مصيدة قانونية أمنية قضائية صارمة. كل ما أخشاه أن مجرم الجنح بات يعتقد – وهو مخطئ أيضا-  أن الهيئة – تحويلة – نجاة جاهزة.