ليس أجمل من الكتب، ولا أعظم من العلم كما قال الله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، (وفوق كل ذي علم عليم)، وهي رحلة بدون نهاية بضرب النكرة بالنكرة، وحين جاءت الكلمة في القرآن عن العلم كانت بدون أداة تعريف (علم) فهي تفتح الأفق إلى مالانهاية.
وموسى النبي الرسول من ذوي العزم من الرسل ذهب إلى مجمع البحرين يتعلم من رجل صالح علما؛ ففوجيء بعالم عجيب من التناقضات لم يفهمه ولم يسطع صبرا، وأمام تحول العصا إلى حية تسعى، ولى هاربا ولم يعقب فقال له الرب(ياموسى أقبل ولاتخف إنك من الآمنين).
إنه نموذج لرجل يعجل إلى ربه، ويشد لحية أخيه، ويدعوأن يطمس على أموال ويشدد على قلوب بني فرعون، وكل القرآن من البداية للمنتهى دعوة للعلم والتفكر، ولم يكن للدماغ الإنساني أن يعظم بدون تسجيل الخبرة الإنسانية.
وهكذا لم تعد تموت المعلومات بموت صاحبها، وحاليا هناك مشاريع شتى بما فيها أنفاق في الجبال، وعالم الديجتال والميكرو فيلم، وسطح القمر والمريخ مستودعات للذاكرة الإنسانية، كما سمعنا أخيرا عن أفظع مشروع لجمع كل المعرفة الإنسانية بالديجتال حتى عام 2025م.
ويروى عن بعض الصالحين دعوته أن يرزقه الجنة وفيها مستودعات لاتنضب من الكتب والمعرفة الإنسانية، وزوجتي رحمها الله كان جلّ أملها كما روي عن صوفيا شارلوتنبورج تلميذة الفيلسوف لايبنتس (Leibnitz) فرحها بالموت لأنه عالم اليقين، فيكشف عن البصر، فيرى الأشياء واضحة؛ فالبصر في غاية الحدة والنقاوة كما ذكر القرآن (فبصرك اليوم حديد) ليس من الحديد المعدن بل الحدة والصقل والوضوح، ولعل كلمة حديد المعدن بما فيها من صلابة هي من هذا الباب؟
إنني في رحلة المغامرات الفكرية أنصح بهذه الكتب الخمسة الجميلة، أنصح بكتاب:(الديموقراطية) لمؤلفه روبرت تال، وأعترف للقاريء أنني حين أردت فهم الديموقراطية كمصطلح راج استعماله فهو على كل لسان اليوم، ولو دعا هجرا وقال فحشا كما جاء على لسان العنصري البغيض الهولندي (جيرت فيلدرز Geert Wilders) الذي قال إنه سيكافح الإسلام بطرق ديموقراطية، كذا، والرجل أسس حزبا بمساعدة صهيونية، يدعو فيها لتحريم القرآن، وتغريم كل امرأة مسلمة تغطي رأسها بمبلغ الف يورو! يقول هذا الدعي استيقظي أوروبا واحم نفسك من الإسلام وقاومي بطرق ديموقراطية، المهم قمت بتتبع العديد من الكتب حول الديموقراطية لفهمها، ما أسميه أيضا ملء الثغرات المعرفية، أي أن على المثقف تحديد نواقص معرفته وملئها المرة بعد الأخرى حتى يصبح جبلا من المعرفة الموسوعية.
ومن هذه الكتب اللذيذة كتاب ( ساعات القدر في تاريخ البشرية) وهو يذكرني بالعقاد وكتابه (ساعات مع الكتب)، لقد تتبعت كتابات هذا الرجل (ستيفان تسفايج Stephan Zweig) منذ زمان، وكان أول كتاب له عن رحلة ماجلان العجيبة التي حررها بحار مغمور إيطالي اسمه باجافيتا لم يكن ينفع في شيء سوى تسجيل وقائع الرحلة يوما بيوم، فكان أفضل من أي بحار، فلولاه ماعرفنا ماذا جرى؛ ذلك أن ماجلان كان أول من رسم خرائط الجغرافيا الفعلية. إنها قصة ملحمية عجيبة، وحين اطلعت على كتابه (ساعات القدر) قلت يجب تتبع كل ما كتب الرجل بما فيها سيرته الذاتية التي انتهت بمأساة، فقد انتحر هو وزوجته في أمريكا الجنوبية أظنها في البرازيل أو الأرجنتين، وفي رواية ساعات القدر 14 رواية من أجمل ما خطها يراع الرجل، وعسى أن نرجع بعد فترة فنكتب مقالة عن كل كتاب على نحو مختصر بعنوان الكتب المئوية في تأسيس البنيوية.