يعتبر عالم الاجتماع «دونالد كريسي» هو أول من أشار إلى مصطلح «مثلث الغش أو الاحتيال»، حيث يتناول الإطار الأساسي لهذا المصطلح والمتمثل في العناصر الثلاثة الأساسية لأضلاع مثلث الغش، وهي وجود الدوافع أو الضغوط، ووجود الفرصة، وإمكانية التبرير.

فالضلع الأول من المثلث يتمثل في وجود الدوافع أو الضغوط التي تؤدي إلى الاحتيال والفساد بسبب الديون الشخصية، مثلاً حيث يتورط الموظف في قروض بنكية لا يمكن السيطرة عليها، أو الخوف من الحرمان من الترقية أو الفصل من العمل أو حتى التهديد بالسجن وفرض العقوبات.

أما الضلع الثاني من المثلث فيتعلق بوجود الفرصة، حيث يستغل مرتكب الغش أو الاحتيال نقاط الضعف الموجودة في الرقابة الداخلية، وبالتالي يستطيع تخطي إجراءات الرقابة دون أن ينكشف أمره أو يستطيع إخفاء السرقة أو الاختلاس

على سبيل المثال بكل سهولة، أما الضلع الثالث في المثلث فهو إمكانية التبرير، فقد يشعر الموظف أنه قدم الكثير من الجهد والتضحية في الجهة التي يعمل بها، وبالتالي يتوقع الحصول على مكافآت مالية تقديراً لتفانيه في العمل، وإذا لم يحصل على ذلك يقوم بالبحث عن بدائل أخرى غير مشروعة يعتقد أنها حق مشروع له.

وحتى يتضح مفهوم «مثلث الغش» بشكل أوسع، أورد قصة إفلاس شركة «وورلد كوم» التي كانت تعتبر ثاني أكبر شركة أميركية للاتصالات الدولية، حيث لجأت الشركة إلى وسائل محاسبية غير صحيحة لتسجيل خسائر قدرها 3.85 مليارات دولار خلال عام 2001 على أنها أرباح من خلال التلاعب بالقيود المحاسبية، وتعود فصول هذه القصة عندما طلب المدير المالي للشركة من إحدى الموظفات في قسم المحاسبة أن تستخدم رصيد حساب الاحتياطيات لتغطية الخسائر التشغيلية بالإضافة إلى رسملة مبلغ 771 مليون دولار من المصروفات التشغيلية بالمخالفة للمعايير المحاسبية وذلك بهدف زيادة الأرباح، وبسبب هذا التلاعب زادت أصول الشركة، ونقصت المصاريف التشغيلية، وقامت الموظفة بالتلاعب في تواريخ القيود المحاسبية في نظام الحاسب الآلي.

وعند التحقيق مع تلك الموظفة اعترفت بأنها في البداية كانت «قلقة لأن ما يطلبه رئيسها كان غير ملائماً من الناحية المحاسبية.. لكنها استجابت للرئيس.. وفكرت في الاستقالة بعدها.. إلا أنها قررت الاستمرار لأهمية راتبها والإنفاق على أسرتها بالإضافة إلى صعوبة الحصول على عمل، كما أن المدير المالي أخبرها أن كل ما فعله كان قانونياً ويتحمل كامل المسؤولية، كما قام بترقيتها مع زيادة راتبها».

القصة السابقة توضح أن موظفة قسم المحاسبة تعرضت لضغوطات من قبل رئيسها بالإضافة إلى ضعف الرقابة الداخلية على تسجيل وتصنيف المصروفات في السجلات المحاسبية، الأمر الذي أدى إلى التلاعب وارتكاب الغش وتقديم تقارير مالية مضللة، وقد توفرت في هذه القصة الضلع الأول والضلع الثاني من مثلث الغش والاحتيال (الضغوط، والفرصة).

والعنصر أو الضلع الأول (الضغوط) يعتبر أحد الأسباب الرئيسية السائدة للغش والفساد في الدول النامية وخاصة في ظل ضعف أنظمة الرقابة الداخلية والتي تعتبر الضلع الثاني أو السبب الذي يأتي بعد الضغوط، فالرقابة تحاول تقليل مخاطر فرص الغش والفساد ولكنها تظل عاجزة أمام البيئة الإدارية أو بمعنى أصح أمام الضلع الأول من مثلث الغش.

فالرقابة مهما كانت فاعلة وقوية لا تستطيع أن تغير مديراً سيئاً بطبعه وتجعله مديراً جيدا، فالبعض يتصور أن الرقابة من شأنها أن تضمن نجاح المشاريع أو على الأقل تحقيق الأهداف الرئيسة للجهة الحكومية أو الشركة، صحيح أن الرقابة تكشف كثيرا من الانحرافات والسلبيات الإدارية مثل عدم وضوح الأهداف، والشكلية في الهياكل التنظيمية، وسوء التخطيط..إلخ، وفي سبيل ذلك تقدم الرقابة توصيات من شأنها الحد من هذه السلبيات، إلا أنه في كثير من الأحيان فإن هذه التوصيات أياً كان شكلها لا يتم تطبيقها على أرض الواقع، وتصبح مجرد اقتراحات، حتى وإن صدرت في شأنها القرارات الإدارية، فعلى الرغم من أن الرقابة أو المراجعة بشكل عام تساعد في إضفاء الثقة والمصداقية على التقارير المالية والإدارية والالتزام بالأنظمة والتعليمات، إلا أنها ليست علاجاً شافياً لجميع المشاكل.

إن البيئة الإدارية في بعض الجهات الحكومية وكذلك في بعض الشركات والمؤسسات تتمثل في وجود سلطات إدارية لها صلاحيات مطلقة غير مقيدة دون وجود مساءلة، تمارس التهديد والتسلط على من يخالفها أو من لا ينفذ تعليماتها وأوامرها، بالإضافة إلى خوف الموظفين من فقدانهم لوظائفهم أو حرمانهم من الترقيات أو التضييق عليهم أو الانتقام منهم، فإذا تم التغلب ومعالجة هذا الضلع الخطير فإن باقي أضلاع مثلث الفساد سوف تتهاوى وتتلاشى وتقل مخاطرها في النهاية.