ولا أتذكر في المطلق، أنني جلست إلى طاولة وزير غيره، ربما باستثناء الراحل الضخم غازي القصيبي حين كانت علاقتنا به علاقة أفكار ومدرسة لا علاقة عمل. وبالأمس، كنت مع معالي الوزير الذي يضيف اليوم بضع عشرة مدينة إلى الخريطة الوطنية. مع معالي الوزير الذي لم يتذرع بندرة المقاولين ولم يتسلح بتبريرات البيروقراطية. مع معالي الوزير الذي أنقذ المقعد الجامعي من مقصلة الزحام. مع معالي الوزير الذي يتحدث لربع ساعة عن جازان وكأنه يتحدث عن ـ الحارة ـ التي نشاهدها معا من مكتبه في الدور الحادي عشر بمبنى الوزارة. والذي أوده اليوم، أن يدرك قارئي العزيز أنني أتحدث عنه وأنا ـ فرد حر مستقل ـ مثلما يعرف معالي الوزير أنه لم يوقع لي شخصيا فرمانا ولا منصبا ولا حتى استحقاق انتداب أو خارج دوام.

لكن الوزير الذي يتابع اليوم ما لا يقل عن مئة عقد إنشاء وبناء يستحق أن ينصف. الوزير الذي يتحدث بكل الفخر عن 500 أستاذ جامعي في جازان في ظرف السنوات الخمس المقبلة يستحق هذه الالتفاتة الوطنية.

جئت لمعالي الوزير مقاتلا شرسا من أجل المصلحة العامة وجئت لأطمئنه أن ـ عسير ـ وعلى مسؤوليتي الخاصة ستكون في مدينتها الجامعية مكتملة بعد ثلاث سنوات من اليوم: خمسون ألف طالب وثمانمئة سرير صحي. هذه الجامعة التي فعلت كل شيء رغم التحديات ولكنها لم تفعل ديدننا الوطني في الفرقعة وفي لعبة العلاقات العامة. قلت لمعالي الوزير وقد هممت بالخروج (امسك الجدار): إن الإداري وصاحب القرار هو من يفاوض على قناعاته مثلما هو من يقبل بالحوار حول التفاصيل اللغوية للقرار. الإدارة الناجحة هي من تعترف بتمازج الألوان، لا باللون الوحيد الذي تفرضه علبة القانون. ولربما كانت من لحظات السعادة لضعيف مثلي أن يبتسم له معالي الوزير وأن نبدأ كسر الحاجز بمنتهى الصراحة. سنرحل وسيرحل معالي الوزير من وظائفنا ومن دنيانا وسيبقى الأثر. ستنصف السنوات الخمس المقبلة مشروع معالي الوزير الوطني حين يستوطن نصف مليون من طلبة الجامعات مدنهم الجامعية الجديدة. حين أنهى معاليه حفلات أحجار الأساس ويبدأ حفلات التدشين على مشاريع حقيقية قائمة بالفعل حين اكتفى البعض بمشاريع الورق. وصلت مع معاليه لمنتصف الطريق ومنتصف القرار ومثل هذا الوزير لن يقف أبدا في منتصف الخطوة.