بعد حادثة الاختناق الأليمة التي أودت بحياة أحد الطلاب في حافلة مدرسية بسيهات، أصدرت وزارة التعليم بيانا شددت فيه على المسؤولية المباشرة للمعلمين والإداريين في توفير أقصى درجات الأمن والسلامة داخل المدارس، بالإضافة إلى مسؤولية الأسرة تجاه أبنائها ومتابعتهم أثناء تنقلهم من المنزل إلى المدرسة وأثناء عودتهم، مع التأكيد على شركة تطوير للنقل التعليمي بتطوير أنظمة السلامة في حافلاتها ولدى المتعهدين الذين تشرف عليهم.
لقد فتحت حادثة طفل سيهات -رحمه الله- ملف حوادث المدارس، فمع كل بداية عام دراسي جديد نسمع بين الحين والآخر عن حوادث دهس أو اختناق داخل الحافلات المدرسية بسبب ضعف الرقابة والإشراف على أنظمة الأمن والسلامة، وكذلك الاستهتار والإهمال من قبل بعض سائقي تلك الباصات وتهورهم والسير بسرعات عالية على الطرق، دون الاكتراث إلى أرواح الطلبة والطالبات البريئة، وهذا الأمر ليس قاصرا فقط على المدارس الحكومية، بل أيضا في المدارس الأهلية والخاصة.
لقد أصبح مشهد المخالفات المرورية لسائقي الحافلات المدرسية على الطرق شبه مألوف للأسف الشديد، ومن ذلك على سبيل المثال السرعة العالية، وعدم التوقف عند التقاطعات الخطرة، وإنزال الطلاب من جهة اليسار عند التوقف دون اكتراث لخطر قدوم المركبات من هذه الجهة أو الوقوف بشكل خاطئ، والتحرّك فورا بمجرّد نزول الطالب أو ركوبه، وعدم استخدام الإشارات الضوئية.
أما فيما يتعلق بعملية الإشراف والرقابة على الحافلات المدرسية فمن الملاحظ على بعض تلك الحافلات عدم وجود مشرف مرافق داخل الباص، وسائقين غير نظاميين أو لا يحملون رخصة قيادة أو تصريحا، وكذلك ضعف مستواهم التعليمي وعدم التأكد من خلو سجلهم من السوابق الجنائية، ناهيك عن ضعف الصيانة وعدم وجود تكييف، وزيادة عدد الطلاب عن سعة الباص، وبالتالي لا غرابة أن تكون النوافذ مشرعة، ولا عجب إذا رأينا رؤوس الطلبة تطل من تلك النوافذ، أو أولادا يتعاركون داخل الباص، مما دفع بأولياء أمور لنقل أبنائهم عبر حافلات غير مهيأة فعليا للنقل، بل تستخدم لنقل البضائع، وذلك وفق أجرة شهرية.
بالإضافة إلى ما سبق، نجد ازدحاما شديدا وفوضى عند المدارس عند دخول وخروج السيارات دون وجود مسارات آمنة أو إشارات وإرشادات مرورية، الأمر الذي يشكل خطرا على الطلبة عند ركوب الحافلات أو النزول منها، مما قد يعرضهم لخطر الدهس عند المدرسة نفسها.
عندما تتحدث وزارة التعليم في بيانها السابق عن مسؤولية إدارة المدرسة في توفير الأمن والسلامة في الحافلات المدرسية، فهل هناك نظام أو قانون يتعلق بالنقل التعليمي يتم على أساسه مساءلة الإدارة؟.. للأسف لا يوجد نظام للنقل التعليمي سوى بعض التعليمات والإرشادات غير الملزمة لإدارة المدرسة، وبالتالي لا توجد أي نصوص واضحة تتعلق بحماية الأطفال أثناء قدومهم أو خروجهم من المدرسة، أو تضمن استمرارية رعايتهم عند وصولهم للمدرسة أو مغادرتها، والدليل على ذلك أن بيان وزارة التعليم تضمن ضرورة التنسيق مع هيئة النقل العام للتسريع بإصدار الترتيبات التنظيمية للنقل التعليمي، وبالتالي فإن عدم وجود نظام للنقل لا يمكن مساءلة المدرسة أو إلزامها باشتراطات ومعايير الأمن والسلامة، وإنما يكون أمر النقل مجرّد اجتهادات أو مزاجية من قبل الإدارة.
العديد من الأنظمة والقوانين تتضمن اشتراطات ومعايير للنقل التعليمي، منها على سبيل المثال ما يتعلق بالإشراف والرقابة على الحافلات المدرسية التي تتضمن مثلا وجود كشف يومي لأسماء الطلبة عند صعودهم ونزولهم من الحافلة، على أن يتم تسليم الكشف للإدارة، القيام بفحص الباص بشكل مستمر وبشكل يومي، وألا يخرج الباص من المدرسة في الفترة الصباحية
إلا بختم على الكشف المتواجد لدى السائق كدليل على تفتيش الباص، وألا تتحرك الحافلة من المدرسة في نهاية الدوام المدرسي إلا بعد أن يتم التأكد من أعداد الطلبة في كل حافلة، بالإضافة إلى ألا يزيد عمر الحافلة التي تنقل الطلاب على 5 أعوام ومطابقة شروط ومواصفات الأمن والسلامة، فضلا عن كون السائق ذا سيرة وسلوك حسن، والتأكد من عدم ارتكابه مخالفات مرورية خطرة، وتدريبه على القيام بالإسعافات الأولية الأساسية، وإلا يكون له سجل جنائي، بالإضافة إلى وجود رخصة خاصة لقيادة حافلات الطلبة في القطاعين العام والخاص، ووجود مراقبة لسير الحافلة إلكترونيا... الخ.
وبناء على ما سبق، يجب الاهتمام من قبل مجلس الشورى ووزارة التعليم بإصدار التشريعات الخاصة بالسلامة والإلزام باتباعها لجميع الجهات المعنية، فالتشريع الصحيح والمراقبة الفاعلة هي صمام الأمن والسلامة للطلبة والطالبات، والذي بات مطلبا مجتمعيا وضرورة وطنية، حتى لا يبقى قطاع النقل المدرسي معتمدا على النقل العشوائي، والمخالف للتعليمات، والأمر لا يتعلق فقط بالحافلات المدرسية، إنما أيضا بالأمن والسلامة ككل داخل المدارس التعليمية نفسها.