ركَّز مجتمع مكافحة الإرهاب بشكل مفرط على الهجمات الإرهابية، بدلا من الأهداف السياسية للجماعات الإرهابية. وهذا التركيز يُمثِّل إشكالية لأنه يشجع المدنيين على السعي إلى البحث عن الأمان الكامل من جميع الهجمات، وهو أمر مستحيل. ولذلك فإن القضاء على المشكلة بالكامل يتطلب هندسة اجتماعية واسعة النطاق في العديد من البلدان. وينبغي على الولايات المتحدة إعادة النظر في إستراتيجيتها، وإيلاء المزيد من الاهتمام لمنع الجماعات الإرهابية من تحقيق أهدافها.

وبذلك، لا بد أن تفشل الجماعات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية على غرار تنظيم «القاعدة»، لأن أهدافها تشمل إعادة تشكيل النظام العالمي لكي يتمحور حول الدين ويجعل الاختلافات الإقليمية عديمة الأهمية. فمعظم المسلمين لا يريدون العيش تحت حكم الأصوليين، لذلك لا تملك هذه الجماعات سوى مساحة محدودة لتجنيد مقاتلين. وعلى الرغم من أن أهدافها تمنحها سببا كافيا لتوحيد صفوفها، إلا أن عدم اتساقها الأيديولوجي وغرورها الذي يؤدي إلى قيام صراعات يمنعان بانتظام حدوث ذلك. كما أن رؤيتها تتطلب منها اقتطاع الأراضي الخاصة بها، لكن ذلك يجعلها أكثر عرضة للعمليات العسكرية.

ويوضِّح فشل تنظيم داعش مدى صعوبة مهمة الجماعات الجهادية العابرة للحدود الوطنية. فقد ظهر التنظيم في ظل أفضل الظروف الممكنة: فسورية والعراق كانا في حالة فوضى، بينما كانت الولايات المتحدة في عجلة من أمرها لمغادرة المنطقة. ومع ذلك، تمت هزيمة تنظيم داعش في نهاية المطاف. فحقيقة عدم تمكنه من ترجمة انتصاراته المبكرة إلى نجاح طويل الأمد تدل على أن هذه الجماعات لن تتمكن أبدا من تحقيق أهدافها السياسية الأوسع نطاقا.

وبما أن الهدف المتمثل في وقف جميع الهجمات الجهادية أمر غير معقول، يتعيَّن على الولايات المتحدة اتباع إستراتيجية الاحتواء. وسيكون هذا النهج أقل كلفة نظرا لأنه لن يتوجب على القوات الأميركية أن تكون جاهزة لتنفيذ عملياتها في كل مكان في وقت واحد. إن الدول الشريكة هي حاليا في وضع أفضل للتعامل مع التهديدات الداخلية، ويجب منحها الدعم اللوجستي والاستخباراتي، ولكن ليس أكثر من ذلك. ولا يتعيَّن على الولايات المتحدة أن تتدخل إلا في حال وقوع آثار غير مباشرة وعابرة للحدود الوطنية. وفي الواقع يجب أن تنشئ قوة استجابة سريعة لهذا الغرض. ورغم أن البعض قد يقول إن واشنطن تنتهج سياسة الاحتواء، إلا أنها لم تحاول حقا سوى احتواء الهجمات الجهادية. وإذا ركّزت أيضا على احتواء الأهداف السياسية لهذه الجماعات فإن ذلك قد يجعل الولايات المتحدة أقل من أن تكون هدفا.


باراك مندلسون*

                  

* كاتب وأستاذ مشارك في كلية هافرفورد الأميركية – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط) - الأميركي