ليست مبالغة القول بأن عدم تنظيم محتويات مواقع مثل «يوتيوب» و«نتفلكس» قد تؤثر بشكل سلبي وكبير على شاشات التلفاز المحلية التقليدية ومحتواها، وفي حالات محددة قد تجهز على هذه الصناعة تماما ويصبح محتوى التلفاز شيئا من الماضي. هناك مطالب متكررة بتنظيم عمل الإنترنت، ولم يكن أحد يصغي لأصوات ونداءات المشرّعين إلا مؤخرا. في أوروبا تم مطلع سبتمبر هذا العام 2018 إقرار قانون جديد يلزم شركة «يوتيوب» بترخيص عند نشر أي أغنية (محتوى موسيقي) على صفحاتها، وفي حال مخالفة ذلك تضطر الشركة لدفع غرامة مقابل كل نشر غير مصرّح به يتم داخل الإقليم الأوروبي كاملا. رحّب كبار ملّاك منصات الإعلام التقليدي بالفكرة بينما هاجمها أصحاب مواقع التواصل الاجتماعي بحجة التعدّي على حرية المستخدمين إذ إن هذه المقاطع الموسيقية المنشورة عبر الإنترنت ينشرها عادة المستخدمون أنفسهم. ولكن هناك سبب آخر وهو أن محتويات التلفاز التي يتم نشرها عبر «يوتيوب» مثلا تحظى بمعدلات مشاهدة مرتفعة ولها ربحية أكبر، بل إن يوتيوب صرّح بنفسه للجارديان البريطانية أن أسرع أسواقه نموا سوق التلفاز. ومن هنا كما يبدو لي تبدأ مرحلة جديدة في عصر الإنترنت والتشريعات المتعلقة به، إنها مرحلة بداية إنقاذ منصات الإعلام التقليدي، وإسعافها من الخسائر الفادحة التي ما زالت تتكبدها بسبب مواقع الإنترنت الحديثة، إنها مرحلة محاولة الموازنة بين كفتين رجحت إحداهما على الأخرى.
قال المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) السيد «توني هول» في مؤتمر جمعية التلفاز الملكي في لندن، إن منصات بث الفيديو عبر الإنترنت، مثل Netflix وAmazon ينبغي أن تتعرض لنفس التنظيمات والاشتراطات التي تخضع لها منصات البث التقليدية في المملكة المتحدة، وإلا فإننا قد نميت المحتوى البريطاني المميز المتواجد في منصات الإعلام التقليدية. وأشار المدير العام للبي بي سي إلى أن محطته تخضع لعدد لا يستهان به من الاشتراطات والالتزامات، مما يجعلها كمن يسير وإحدى يديه مربوطة خلفه مقارنة بمنصات الإنترنت التي لا تواجه أي التزامات تشريعية. الجدير بالذكر أنه من ضمن التنظيمات التي تُطالب بها «بي بي سي» أن تزيد من تنوعها عبر توظيف أشخاص من كافة الخلفيات الجنسية والعرقية والدينية، التوزيع في بريطانيا بدلا من الانحصار في نطاق مدينة لندن، إضافة للاشتراطات المتعلقة بالجودة والمستوى المعياري المرتفع. تخضع البي بي سي أيضا إلى جانب منصات الإعلام التقليدي الأخرى إلى التزامات ضريبية من الحكومة وقوانين تجارية عامة واشتراطات بالخصخصة، إضافة للالتزام بقواعد المنافسة. لا يتم تطبيق كل ما سبق ذكره على «نيتفلكس» و«أمازون برايم» و«يوتيوب»، مما يجعل منافستهم مع الإعلام التقليدي -إذا كنا صريحين جدا- منافسة غير عادلة إطلاقا!
التوعية بدعم المحتوى المحلي، وقنوات التلفاز المحلية، ليسا أمرين كافيين. التسويق التقليدي لدعم المنصة التقليدية كما حصل لدينا مع قناة SBC إستراتيجية قديمة، لا يوجد حل سوى المواجهة مع أصحاب الإعلام الجديد ومواقع الإنترنت بالقوانين والتشريعات. إنه حل جريء نعم، مكلف نعم، لكنه مجدٍ. تريد (أيا صاحب الموقع الرقمي الناجح) العمل في إقليمنا الجغرافي؟ ومنافسة قنواتنا المحلية التي نعمل لتطويرها حاليا؟ مرحبا بك ولكن ستدفع مقابلا لذلك، والمقابل هذا أمر متروك لصاحب القرار، هل هو التسوية بين هؤلاء الضيوف في جهة والمحليين القدامى في جهة أخرى من ناحية القوانين والتشريعات، كما طالب مدير البي بي سي، أم هو مقابل آخر مثل مطالبة أصحاب هذه المواقع الرقمية بالتعاون مع منصّات الإعلام التقليدي المحلي والعمل معها يدا بيد لتطوير المحتوى المحلي والعاملين عليه، وهذا هو ما أميل له بالنسبة لأي دولة شرق أوسطية.