«القائد هو الذي يعرف الطريق، ويسير في الطريق، ويرشد الآخرين للطريق» جون ماكسويل.
لا أحب أن أركب موجة «السوشل ميديا» في الهجوم على الجامعات، ولولا أني كتبت عدة مرات سابقا عن سوء إدارة الجامعات لدينا لما فتحت الموضوع مجددا.
رياح التغيير والتطوير 2030 هبّت على جميع المجالات والقطاعات، إلا بعضها، ومثال الاستثناء هو الجامعات والسفارات، وعلى الرغم من أن بعض الجامعات أكثر ما يرفع شعارات 2030، ويضع ملصقاتها على مبانيها، إلا أنها ربما أكثر ما يعاكس روح وأهداف رؤية 2030 بتصرفاتها.
كتبنا سابقا عن معارضة استقلالية الجامعات، وأن بعض الجامعات أصبحت عِزَبًا شخصية لإدارة الجامعة ومن يعزّ عليها، وكتبنا كيف أن بعض أبنائنا الذين تخرجوا في أرقى جامعات أميركا وأوروبا يعانون الأمرّيْن من تعنت الجامعات وشروطها التعجيزية، لكن الأهم في نظري أن نذهب إلى أصل المشكلة، وهي إدارة الجامعات، إذا حُلّ الأصل فإن بقية المشكلات، كالقبول والتعينات، ستُحَل تلقائيا وتصبح تحصيلَ حاصلٍ.
دعونا نتكلم عن مديري بعض الجامعات السعودية، كثير منهم على المنصب سنين طويلة ولم يغير ساكنا، مجرد أداء الأعمال اليومية، لكن لو تفحصت الجامعة فإنك لن تجد رؤية أو أهدافا إستراتيجية محددة، بغض النظر عما هو مكتوب في موقع الجامعة أو دفاترها، فكثير من جامعاتنا بلا طعم ولا لون ولا رائحة، لا يوجد لها شيء يميزها عن بعضها، سؤال بسيط لو سألته أحدا في التعليم العالي لن يجيب عنه: الجامعة الفلانية ماذا يميزها وبماذا تشتهر؟ كثيرون لا يعرفون!، لكن لو تذهب إلى الجامعات الأجنبية في البلاد المتطورة، الجميع حتى الرجل العامي ممكن يقول لك الجامعة «ب» مشهورة بالاقتصاد، لكن في الهندسة الجامعة «ج» هي الأفضل.
كنت دائما أقول لمسؤولي الجامعات السعودية عندما أقابلهم في مؤتمرات أو لقاءات، ركزوا على شيء معين، وكونوا مميزين، واجعلوا بقية الكليات جيدة جدا، لكن لا تستطيع أن تصل إلى الامتياز في الجميع، وذلك سيشتت الجهد والمال، ولن تصل إلى النتيجة المرضية. الجامعات الكبرى في العالم احتاجت مئات السنين حتى تصبح ممتازة في كل التخصصات.
سأكون صريحا ودون دبلوماسية، عندما تقابل مديري الجامعات الأجنبية الكبرى، كأنك تقابل مفكرا أو رجلا إستراتيجيا، يبهرك باطلاعه ورؤيته، حتى أفضل من مقابلة بعض الوزراء، لأن الوزراء الأجانب يكونون متحفظين في النقاش أكثر من رؤساء الجامعات بسب خلفيتهم السياسية، بل إن بعض رؤساء الجامعات كان وزيرا سابقا.
بينما عندما تقابل بعض رؤساء جامعاتنا -دون مبالغة- تحبط بمستوى النقاش، وتقول في نفسك جِدْ له عذرا فربما هو
«غير متحدث» لكن أفعاله وإنجازاته تتحدث عنه، وعندما تراجع أفعاله وإنجازاته تجدها شبه لا شيء، مجرد أداء للأعمال اليومية أو السنوية. وتجده على الكرسي لسنوات، وسيسلم الجامعة كما استلمها مجرد النمو الطبيعي، لا يوجد أي إنجاز يذكر، والأدهى والأمرّ أنه أحاط نفسه ببعض المتملقين وجوقة تطبيل على لا شيء، فلا تستغرب أن تنحو الكليات أيضا المنحى نفسه، فالعميد أيضا يحيط نفسه بشبكة من الوصوليين ورؤساء الأقسام، نفس الشيء، وهكذا دواليك، كل يقلد الأكبر منه، وبعدها نأتي ونسأل: لماذا لا يُقبل أبناؤنا في الجامعات رغم أنهم تخرجوا في أفضل الأماكن في العالم، ورغم وجود عشرات آلاف المتعاقدين الأجانب؟ ببساطة لأن أصل المشكلة لم يحل!
أستغرب وبشدة رئيس جامعة في السعودية بصلاحيات كبرى -كالعادة- وميزانية جزلة، ولا يحقق إرثا علميا كبيرا. أذكر أن بعض رؤساء الأقسام في الجامعات العالمية وهم على نطاق ضيق، وميزانياتهم وصلاحياتهم محدودة، كانوا يهتمون جدا بإرثهم ويقولون ماذا سيقول عنا التاريخ، ماذا أضفنا أو عدّلنا في القسم، كانوا يسألوننا بنوع من الرجاء هل فعلا غيّرنا القسم إلى الأفضل؟
رجاءً، كونوا صرحاء معنا، بعض العمداء الذين غيّروا وأنجزوا كثيرا في الكليات كان يأتي مهموما وهو يقول لنا، ماذا سيقول عنه التاريخ بعد أن تنتهي فترته.
بعض رؤساء الجامعات عندما تنتهي فترته، كان ينتقد من مجلس الجامعة ومن أعضاء الجامعة، أن إنجازاته تعد على الأصابع، مع أن بعضها إنجازات كبرى بكل المقاييس، وكان يطلب السماح.
بينما بعض مديري الجامعات السعودية يأتي لسنوات طوال ويذهب وكأنه كان رئيسا للجامعة بالإنابة، لا يحرك حجرا من محله.
كم رئيس جامعة لدينا تنطبق عليه صفات القائد التي ذكرتها في البداية، يعرف الطريق ويلتزم بالسير فيه مع فريقه، ويرشد الآخرين إليه، كي ينتج قادة يخلفونه ؟!
مهما قيل من أعذار، فالأرقام تعاكس المنطق والمعقول، هل يعقل أن يبقى حامل دكتوراه أو ماجستير واحد عاطل، في دولة فيها عشرات الآلاف من الأجانب، ولست أدعو إلى سعودة الجامعات السعودية كليّا، لأنه يجب أن نطعّم الجامعات بالنخبة من الأجانب، كما يحدث في الجامعات العالمية الكبرى، وحتى لو وظفنا كل أبنائنا فسيبقى مكان للمميزين الأجانب، لكن على الأقل سنقضي على العزب الشخصية في أقسام الجامعات.
لا أريد الخوض في حادثة جامعة شقراء، لأني أرى أن البعض تحامل على المدير كثيرا، والآخر على الطالب، وكثير ركبوا الموجة، وكثير مما قاله المدير صحيح، وكذلك من عاكسوه لهم بعض الصحة، لكن المشكلة -كما قلت- لا توجد رؤية لدى كثير من الجامعات السعودية، وكثير من جامعات العالم الكبرى هي خارج المدن الرئيسية، بل إن هذه الجامعات من خلقت حولها المدن والمجتمعات.
أرى في ظلام نفق سوء إدارة الجامعات السعودية المظلم، نورا كبيرا، أنا متأكد أن أولي الأمر لن يتركوا الموضوع دون تعديل وتحسين، لأنهم يعرفون أن التعليم الجيد عمادٌ لرؤية وتطبيق 2030، وكما هي عادتهم سيبهروننا بتغيير ينتشل حالة سوء إدارة الجامعات السعودية، وكما ألفنا منهم المفاجآت الكبرى السارة التي ستحدث تغييرا جذريا حتى أفضل مما كنا نتمنى في الجامعات السعودية.