إذا وجّهت لصديق لك سؤالاً حول أي من أحداث الساعة.. وليكن مثلاً حول قضية عدم تكافؤ النسب. لو سألته بمنتهى البراءة: "أسمعت بالقضية المرفوعة على زوجين قديمين بينهما ذريّة ويراد تطليقهما؟!".. فإن صديقك هذا من حقه أن يجيبك على سؤالك بسؤال آخر بريء: "أي قضية تقصد بالتحديد؟" وهو هنا صادق تماماً؛ لأن الصحافة نقلت لنا عدة قضايا تطليق بدعوى عدم تكافؤ النسب: سنة كذا بين فلان وفلانة، وسنة كيت بين علان وعلانة. هذه نتائج يسعك أن تجدها ببحث عابر على الإنترنت. وهنا لن تملك إلا أن تُسائل نفسك ـ بدورك ـ: حقاً.. لماذا يقبل القضاء النظر ويعيد ويزيد في نفس المسألة التي ضج المجتمع معترضاً عليها سنة وراء سنة؟!
وإذا قررت أن تتسامر مع زميل لك أثناء الدوام الرسمي وفتحت موضوعاً مسلياً.. وليكن منع تلميذات المدارس السعودية من ممارسة الرياضة البدنية، واحتجاج فئة من المربين ـ وغير المربين ـ على أي منشط يخالف هذا المنع. فإن صاحبك من حقه أن يسألك: ألم يفتح الصحفيون هذا الموّال ويغلقوه في 2004؟ وحينها ستبشره بأن الموّال ذاته قد انفتح الأسبوع الماضي ليتجدد اللت والعجن بشأنه. ثم ستكتشف أن الموضوع ليس مسلياً بل هو في الحقيقة مكرور وممل وممجوج جداً!
(جاليليو) أصر على أنّ الأرض تدور.. ولو أن الله تعالى مد في عمره ليعيش معنا لأعلن أيضاً أننا ندور وحول ذات القضايا والهموم والتساؤلات التي كُتب عليها أن تظل معلقة وتستنزف الوقت والجهد والحبر على غير فائدة ولا تقدم.
الآن و2010 يلفظ أنفاسه الأخيرة، فإنه بإمكاننا أن نستشرف المستقبل ونتوقع أخبار العام المقبل بدون تعب. سنتوقع أننا مقبلون على أزمة أسعار جديدة.. كما حصل مع الألبان والبيبسي والحديد خلال الأعوام الماضية. في 2011 ربما سيتحالف مصنعو (العلك) واللبان ضد المستهلك وسيرفعون الأسعار بدعوى أزمة مزارع القصب في أدغال الأمازون. وسيثور الناس ويكتب الكتّاب وستتشكل حملات مقاطعة شعبية على الفيسبوك.. ثم لا شيء!
خلال العام المقبل ستتهور شركة وطنية ما وتفتح مشاريع نسيج وخياطة وتطريز، وعوضاً عن أن تستقدم لها عمالة آسيوية فإنها ستوظف بنات البلد.. ياللعار. تخيلوا معي الضجة التي سيثيرها هذا الموضوع الـ"جديد"!! سنتخيل أيضاً أن منتخبنا سيفشل ـ لا سمح الله ـ في الفوز بكأس آسيا. عندها بالتأكيد سنقلب الدنيا وسنطالب بالتحقيق والتصحيح ولن نسكت على هذه المهزلة. في العام المقبل ستهطل المزيد من الأمطار وستغطي السيول مزيداً من مدننا وشوارعنا.. وسنرغي ونزبد ولن نسكت. كما ستصدر فتاوى "ثورية" جديدة.. هي رجع لصدى المسائل التي تكلم فيها الناس في البصرة وبغداد وقرطبة أيام الخلافات الإسلامية.. وسنرعد ونبرق لأننا حريصون على ثوابت الأمة!
خلال العام المقبل سيسيل حبر كثير وسيستهلك الـ"باند ويدث" الخاص بمواقع الإنترنت على أخبار من قبيل: السعودة المتعطلة، والهيئة المتسلطة، ومراوغات خطوط الطيران وشركات الاتصالات. وسيكتب المفكرون والمنظرون ويتحفوننا بآخر مؤامرات بعابع التغريب والماسونية وجيوش (فيغا) المتحالفة.. وسترتعد فرائصنا فرقاً من هؤلاء كلهم لكننا سنصر على أننا لن نتراجع ولن نستسلم وسنصمد.
سنشاهد المزيد من تصاميم "الفوتوشوب" الاحترافية حيث تغطي سماءنا الافتراضية المزيد من ناطحات السحاب.. التي لن تبزغ في الواقع ليس لأن هناك نقصاً في السيولة ولا لأن أصحابها كانوا كذابين.. لكنها في الغالب ستكون مشكلة "تصاريح".. وفي الغالب أيضاً فإن هذه المشكلة لن تحل.
في العام المقبل سنتألم لمرور الذكرى الثانية لكارثة قويزة، والذكرى الثالثة لغرق (فاطمة الصعب)، والذكرى السادسة لكارثة سوق الأسهم. وسنلوم هيئة الاستثمار وبلدية عفيف ومجلس الشورى على التقاعس والسلبية.. سنغضب كثيراً بلا شك لأن أياً من هذه القضايا المحورية المهمة لم تجد حلاً. ثم سنجتمع في استراحة أو مقهى ما.. بدون اختلاط عابر.. وإذا كان بعضنا قد أخذ بالرأي المدهش القائل بإباحة الاستماع للأغاني، فإنه ربما يشغل أغنية قديمة لفيروز تقول كلماتها: يا دارة دوري فينا.. ضلّي دوري فينا.. تننسى أساميهن وينسوا أسامينا!.