بعيدا عن الجدل الدائر في مواقع التواصل الاجتماعي حول إجابة مدير جامعة شقراء عن سؤال أحد الطلبة، حول سبب عدم وجود أساتذة سعوديين ضمن أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، وبالأخص في الأقسام الصحية، فقد أثارت هذه القضية عدة تساؤلات حول عدة إشكالات وتحديات تواجهها الجامعات بشكل عام، إذ ذكر مدير الجامعة في معرض رده على الطالب، أن السؤال فيه عنصرية وجهالة مصدرهما وسائل الإعلام، كما وصف المحافظات بأنها بيئة طاردة، إضافة إلى أن الجامعة «تقوم بإعلانات توظيف على مدار العام، ولكنها لم تتلق أي طلب من أستاذ سعودي لشغل أي وظيفة، سواء في الطب أو الهندسة، أو أي تخصصات أخرى».
وبناء على ما سبق، هنالك 3 محاور رئيسة لهذه القضية، تتمثل في: بيئة بعض المناطق والمحافظات، وهل هي بالفعل تعدّ أحد أسباب عزوف الكفاءات المؤهلة للتدريس فيها، وكذلك بالنسبة لما يثار حول شروط وآليات التوظيف في الجامعات، إضافة إلى رؤية المجتمع والتعامل مع العنصر الأجنبي من أعضاء هيئة التدريس.
ذكر مدير جامعة شقراء، أن المحافظة بيئة طاردة للكفاءات السعودية، وهذا هو سبب الاعتماد على الأساتذة الأجانب الذين لا يجدون مدارس عالمية لأبنائهم في المحافظة، وهذا يعني أن المحافظة تفتقر إلى بعض الخدمات المميزة التي يبحث عنها الأساتذة، والموجودة في المدن الرئيسة فقط، مثل خدمات التعليم العالمية، والمستشفيات الكبيرة، والسكن والأسواق ووسائل الترفيه، والمحافظة تعدّ مدينة صغيرة لا تتوافر فيها تلك الخدمات المطلوبة، فضلا عن أن بعض الأساتذة -خاصة المتخصصين في المجالات الصحية- يبحثون عن مصادر دخل أخرى خارج الجامعة، إضافة إلى محدودية إمكانات الجامعة مقارنة بالجامعات الأخرى في المدن الرئيسة، ولهذا فإن هناك كثيرا من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة يتركون أبناءهم وعائلاتهم في المدن الرئيسة أو السكن في مدينة الرياض، والتي تبعد عن محافظة شقراء حوالي 180 كلم، وهذا يشكل عائقا كبيرا لهم، وسببا لعزوف الآخرين عن العمل في الجامعة.
المبررات السابقة قد تكون منطقية في حال عدم وجود مدينة جامعية متكاملة، تتضمن منازل سكنية لأعضاء هيئة التدريس، وكذلك مدارس ومستشفى جامعيا وما إلى ذلك، ففي كثير من الدولة المتقدمة تكون أفضل الجامعات وأفضل المستشفيات في المناطق النائية والقرى الريفية البعيدة عن المدن الرئيسة، كما أن أفضل الأساتذة والمختصين يعيشون في تلك القرى، مع وجود شبكة نقل متكاملة تربط المدن والقرى ببعضها، وهذه المستشفيات والجامعات ليست حكومية، وهذا ما يجعلنا نفكر مليّا في أن تكون المستشفيات الكبيرة والجامعات في المحافظات والقرى، مما يخفف التكدس والازدحام في المدن الرئيسة، إضافة إلى وجود مميزات كثيرة، من ذلك على سبيل المثال دور النقاهة الصحية وتحسن نفسية المرضى في القرى الريفية والمدن الصغيرة الهادئة.
في الحقيقة، لا يسع المجال هنا لنقاش مميزات الاستثمار، خاصة القطاع الخاص في القرى والمحافظات، في مجالي الصحة والتعليم، فهي تعدّ أحد الحلول لمعالجة الإشكالات في المدن الرئيسة، وكذلك المحافظات والقرى.
أما فيما يتعلق بشروط وآليات التوظيف واستقطاب الكفاءات في الجامعة، فقد ذكر مدير جامعة شقراء أنه يتم الإعلان عن تلك الوظائف طوال السنة، ولا أحد يتقدم في تخصصات الطب والهندسة ولا في التخصصات الأخرى، مؤكدا تطبيق كل الشروط، بينما نشرت إحدى الصحف المحلية مقابلات مع بعض حملة الدكتوراه والماجستير ذكروا أنهم تقدموا للجامعة، وتم رفضهم دون وجود مبررات واضحة، وهذا الأمر يتعلق بمدى شفافية الجامعة في طرح تلك الوظائف، فكما هو معلوم أن شروط التوظيف من المنطقي أن تكون موجودة، وإلا فإن العمل بالجامعة يتم بطريقة عشوائية، ولكن الجميع يعلم أن أي نظام إجرائي يعتريه بعض الثغرات التي يمكن أن تستغل في تنفيذ أعمال غير مشروعة، فضلا عن ماهية الضمانات التي تؤكد تطبيق هذه الشروط على أرض الواقع، لذا كان الأجدر والأفضل للجامعة أن توضح أكثر آليات التوظيف في الجامعة، وكذلك نشر خطة التوظيف فيها، وكيفية الرقابة والإشراف عليها، وتوضيح الصعوبات والمعوقات التي تواجهها في هذا المجال، مع كشف حقيقة ما ورد في الصحف من شكاوى بعض المتقدمين لتلك الوظائف، وذلك تحقيقا لمبدأ الشفافية.
أما بخصوص الأساتذة الأجانب، فكما هو معلوم أن التنوع في استقطاب العقول والباحثين من مختلف دول العالم هو مطلب علمي للجامعات، وكثير من هؤلاء الأساتذة أسهموا كثيرا في المد التعليمي، وساعدوا في تكوين العنصر البشري، ولكن استمرار غياب الأستاذ المواطن في الجامعات يقلل من قيمة العملية التعليمية فيها، ويرسخ الحلقة المفرغة في عزوف الكفاءات الوطنية عن القيام بتلك المهمة، ومهما كان جهد الأساتذة الأجانب ملموسا، فإن شعورهم بالدور المؤقت يقلل من تفاعلهم وإحساسهم بمشكلات المجتمع وتطلعاته.
في النهاية، نحتاج إلى فهم أكثر لواقع الإدارة في الجامعات السعودية، ومدى تلبيتها احتياجات رؤية 2030، وهذه المهمة ينبغي أن تقوم بها وزارة التعليم.