في جميع أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تتفاعل المؤثرات الثقافية والسياسية والاقتصادية للحفاظ على المرأة الموهوبة في متابعتها لتولي المناصب القيادية. ومن أجل إتاحة الفرصة أمام المزيد من الشابات لتنمية مواهبهن ومهاراتهن القيادية، يتعيَّن على قادة اليوم أن يمهدوا الطريق أمام قيادات للغد.
عندما كنت في الثامنة من عمري قال صديق والدي إنه يعتقد أنني أتمتع بصفات قيادية، وبالتالي لم يسمح لي أبي أبدا بأن أنسى تلك الملاحظة، وذلك بتشجيعه المستمر. فانتهزت كل فرصة متاحة لي من أجل متابعة ملاحظة صديق أبي بإمكانية أن أكون قيادية. واليوم فإنني أُدين بالكثير لأبي الراحل الذي كان ثقته فيّ لا تتزعزع.
وللأسف، نجد معظم الفتيات الإفريقيات لم يحالفهن الحظ مثلما حالفني. ففي حين أن العديد من الفتيات يمتلكن كثيرا من الصفات القيادية، إلا أن الحواجز الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تحبط إمكاناتهن. وهذا ينطبق بشكل خاص على الفتيات في المناطق الريفية من إفريقيا، حيث يُحد الفقر والظلم والتقاليد من الفرص.
توجد اليوم أكثر من 130 مليون فتاة في مختلف أنحاء العالم دون تعليم، ولم يكن ذلك خطأ من تلقاء أنفسهن. وبحلول الوقت الذي تصل فيه العديد من الفتيات الإفريقيات إلى سن عشرة أعوام، يكون قد تم تحديد مصيرهن، حيث يقع بعضهن ضحايا للممارسات الاجتماعية الضارة، مثل تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، وزواج القاصرات، في حين لا تستطيع الأخريات الهروب من الفقر الذي يمس عائلاتهن ومجتمعاتهن.
تتمثل إحدى أهداف مؤسسة جويسي باندا التي أنشأتها بنفسها، في تعزيز الاستقلالية المالية لنساء ملاوي، وبالتالي تهيئة الظروف الملائمة لتطور الفتيات الصغيرات وإعدادهن كقائدات في المستقبل. وتشير الأدلة إلى أنه عندما تعمل المرأة فإنها تستثمر 90% من دخلها لمصلحة أسرتها، مقارنة بنسبة 35% للرجال. علاوة على ذلك وبمجرد أن تحصل المرأة على مصادر دخلها الخاصة فإنها تكون أكثر قدرة على المشاركة في العملية السياسية.
وفي مدرسة مؤسسة جويس باندا في بلانتير، بملاوي، تبنى المعلمون منهجا يستند إلى أربع وحدات بناء: القيم العالمية، والتفاهم العالمي، وخدمة الإنسانية، والتميُّز.
واليوم تتحرك أجزاء من إفريقيا في الاتجاه الصحيح، فقد أصبح ما يقرب من ربع المشرِّعين القانونيين في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من النساء، حيث ارتفعت نسبتهن من 10% فقط في عام 1997. وفي الوقت نفسه، تحتل رواندا أعلى نسبة من المُشرِّعات في العالم. وفي جميع أنحاء إفريقيا، يتم انتخاب النساء لأدوار قيادية في مختلف المستويات الحكومية.
وعلى مدار مسيرتي في ملاوي -التي بدأتها كقيادية في المجتمع المدني، ثم عضوا في البرلمان، وأخيرا رئيسة للبلاد- أصبحتُ على قناعة تامة بأن الطريقة الوحيدة لتأهيل نساء إفريقيا للقيادة تتمثل في مساعدة عدد أكبر من النساء ليتدرجن إلى أعلى مستويات السُّلطة. تُظهر الأبحاث في الهند أنه عندما تزيد الحكومات النسبة المئوية للنساء في صفوفها، فإن القضايا الاجتماعية مثل الرعاية الصحية والتعليم والأمن الغذائي، تحظى جميعها بأولوية أعلى. وبالتالي فإن وجود مزيد من النساء في القيادة أمر جيد لكل فرد في المجتمع.
ومن أجل إتاحة الفرصة أمام المزيد من الشابات لتنمية مواهبهن وتنمية مهاراتهن، يتعيَّن على قادة اليوم أن يمهدوا الطريق أمام الشابات للقيادة في الغد.
جوسي باندا*
* رئيسة جمهورية ملاوي السابقة وقائدة مؤسسة جويس باندا لتحرير النساء -
(بروجيكت سنديكيت)- الأميركية