ما إن أحضر حفلة من حفلات الزواجات هذه الأيام حتى يكون في رأسي سؤال مما أراه من المبالغة المفرطة فيها، مفاده «أين العقلاء مما يجري في الزواجات حتى خرجت عن إطارها الشرعي؟»، وأسترجع بيتا لأبي الأسود «ذهب الرجال المقتدى بفعالهم... والمنكرون لكل أمر منكرِ»، طقوس ما أنزل الله بها من سلطان، لم تكن في جيل سبقنا، عاشوا أفراحهم، ومارسوا حياتهم الأسرية والاجتماعية بدون تكلف ولا مفاخرات، كانت البساطة عنوان حياتهم ومناسباتهم آنذاك، فمن يرى الزواجات اليوم، سيجدها مُلئت بطقوس ليس لها داع، كجلب المغنين والمغنيات، والفرق الشعبية، بعشرات الآلاف من الريالات، ودعوة الشعراء وأصحاب الشيلات ليطول ليلهم بقصائد المديح، وشيلات المفاخرة بالقبيلة والشخصيات، إن العاقل ليحتار فيما ترصد عيناه، وتسمع أذناه، مما وصل به إليه حالنا، ولعل ما يحدث في قاعات النساء أمر آخر من ليالي ألف ليلة وليلة، ولهذا لا تصدقوا من يحتج بأن «المهور» هي العقبة التي تقصم ظهر الزوج وأسرته، فما يقصم الظهور اليوم هو «وهم» تكبير الزواجات، وعشق المظاهر، وتحشيد الناس، ظنا أن ذلك سيجلب السعادة للعروسين وأسرتيهما، وهو وهم خطأ، فبعض الأسر لا يهمها أن تدخل في نفق طويل من الديون والاقتراض والخلافات المالية من أجل «المظاهر الزائفة» من أجل أن يقال «زواجنا» كان الأكبر والأضخم والأجمل، والأكثر حضورا، حتى شاهدنا «الخطوبة» كأنها حفلة زواج، وحفلة «الزواج كأنها» مهرجان! وفي النهاية على صدق أمانينا ودعواتنا أن تدوم أفراح الأزواج في حياة مليئة بالسعادة والرفاه والبنين، إلا أن بعضها سرعان ما تنتهي نهاية دراماتيكية سريعة، رغم البهرجة، وألوان البذخ والمظاهر والمفطحات والصحون التي لا يجلس حولها أحد، ويكون مصيرها «براميل القمامة»، ولعلي أقولها صادقا، لقد تحولت حفلات الزواجات إلى «سباق وتنافس محموم» بين الأسر في مجتمعنا في ظل غياب العقلاء، سباق شعاره عند كل أسرة «سنأتي بما لم يأتِ به أحد من قبلنا»، «فالكوشات» أصبحت تأخذ أشكالا مكلفة ماديا، وتأخذ جهدا ووقتا من البحث والتفكير من أهل العروسين من أجل ساعات، ثم ترمى بعد الزواج، وقد حدثني صاحب قاعة أفراح، أنه يعاني أين يذهب بأكوام الحديد والأخشاب للكوشات التي تخلفها تلك الزواجات، و«كروت الأفراح» أصبحت تصنع من الأخشاب وصفائح الألمنيوم، وكان يمكن لأي إنسان أن يحقق الفرح والسعادة في مناسباته الاجتماعية وفي مقدمتها «الزواج» بدون أن يضع نفسه تحت مقصلة التكاليف الباهظة، والمظاهر الزائفة، وإن كان قادرا وممن أنعم الله عليه بالمال، وبعيدا عن الوقوع تحت رحمة تقليد الآخرين والخوف من نظراتهم وأحكامهم وكلامهم وانتقاداتهم، ودون أن يشق على الناس ليحشدهم من كل الأنحاء ولا يعذرهم، وقد ازدحمت جداول حياتهم بأعباء الحياة، وأتذكر أن قلت لأحد أبناء المجتمع، وهو يخطط لزواج ابنه: اعمل ما يرضي الله أولا، ثم ما تراه صحيحا، فرد «بس الناس ما خلونا»، فقلت له دعك من الناس، فو الله لو أقمت لهم موائد عليها ما لذّ وطاب، وقدمتها لهم في أوان من ذهب وفضة، فلن ترضيهم، فإرضاء الناس غاية لا تدرك، إنما الصواب أن تعمل ما تراه صحيحا، يحقق لك الفرح في حدود، دون تبذير وهياط، وماذا سينقص من زواجكم لو أقمته بشكل مختصر على أقارب العروسين، وغيرك قد فعلها من الأسر الواعية المتعقلة في تصرفاتها، ودع من لا يعجبه تصرفك «يشرب من البحر حتى يرتوي». صدقوني يمكن لكل أسرة أن تفرح مع أبنائها وبناتها في مناسباتها الاجتماعية، سواء حفلات الخطوبة أو الزواجات أو حفلات الفرح بالتخرج من المدارس أو الجامعات، بدون أن تدخل في مأزق الترتيبات، وزحمة الأعباء والمشقة، ودون كلفة والدخول في أزمات مالية، كل ذلك يمكن أن تحققه كل أسرة بيسر وسهولة وسعادة وفرحة كبيرة، إذا ما تجاهل أفرادها أقوال الناس «النقادة» وحكّموا عقولهم، ولم يرضخ الرجال لتدبير النساء وأفكارهن، اللائي يتنافسن على جلب «الطقوس» التي لم ينزل الله بها من سلطان، ويضيع فيها الرجال، فتلك المناسبات إذا لم تدر بعقل وحكمة فقد تعد هدرا من ميزانية الأسرة، وعلى حياة المقبلين على تكوين أسر وبيوت من الأزواج الجدد، الذين يسعون إلى إيجاد السعادة في حياتهم المقبلة، خاصة أنهم أحق بما يهدرونه من أموال على جيوب العمالة، وعلى أصحاب المحلات التي وجدت في الزواجات «سوقا احتكاريا» يتفننون في كيف يستنزفون أموال العروسين وأسرهما، وخلقوا «طقوسا وأفكارا» لن تكبّر أو تصغّر فرحة العروسين إن أخذا بها أو تركاها، بقدر ما تستنزف فلوسهما، حتى يجدا أنهما قد قصا شريط البدايات بهذه التكاليف التي لا دخل لها في صناعة سعادتهما، بقدر ما ستتحول حياتهما إلى تعاسة وشقاء وحسابات مع الديون حينما تنتهي أيام العسل، ويدركون أن الحسّابة التي كانت تحسب بدون تعقل قد خرمت جيوبهما.

فنتيجة لهذه الطقوس للزواجات عندنا في المجتمع انفتحت «أسواق احتكارية» تتحكم فيها جنسيات معينة، لا يتعاملون مع من يأتيهم إلا بآلاف الريالات، مع أنها طقوس تجرى لساعات مثل «الطاولات ومسكات الورد وكيكة العرس والكوشات والستائر والأضواء، وكذلك التورتات ذات الأدوار المتعددة من أجل التقاط الصور حولها، ولقطات فلاتر للزواج، وعلب حلوى، وهدايا تذكارية، وإحضار مصورين ومصورات لإنتاج البومات للحفلة، كل ذلك يُدفع مقابلها آلاف الريالات وهي في النهاية طقوس، وتقليد أعمى لما عند الآخرين، تحت مسمى «نريد أن نفرح» كان يمكن الاستغناء عن بعضها!.

مع الأسف حينما يتم سحق القيم والمبادئ، ويتم التنازل عنها مقابل «الفشخرة الكاذبة» والرضوخ للتقليد الأعمى، وتصبح «المظاهر والمفاخرة» بكبر الزواج أو الملكة هي الحكم على فلان وعلان من الناس في المجتمع، وحينما يتوارى الرجال العقلاء «أقول العقلاء» عن إدارة حفلات الزواجات والخطوبة، ويتركون تفصيلها للنساء ليخططن بشكل فوضوي عبثي لها، حتى تخرج عن إطارها الشرعي، مخالفة لهدي النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، الذي قال «أبرك الزواج أيسره مؤنة»، فلننتظر طقوسا أخرى تزيد من عناء المجتمع، وتحميل الأسر فواتير أكثر كلفة، مع أن الزمن الذي نعيشه يحتم علينا أن نلقن الأجيال الحاضرة دروسا في الترشيد والاقتصاد والاختصار، والابتعاد عن المظاهر الزائفة التي يعشقها كثيرون.