مشعل الحربي



رغم حديثه المتكرر، أنّه لا يبحث عن زعامات للعالم الإسلامي، بقدر ما يبحث عن شراكات، إلا أن إردوغان الذي قاد بلاده إلى الخروج من الأزمة الاقتصادية بعد سنوات على صعود حزبه إلى سدة الحكم، أخذ بالبحث عن دور في الوطن العربي، خلال بعث مجد الأجداد الغابر، انطلاقا من سورية.

وشكلت سورية -منذ وقوعها تحت وطأة «الربيع العربي»- نقطة دخول لتركيا، إلى الوطن العربي، سياسيا واقتصاديا وإعلاميا، وبحسب تقارير موسعة نشرتها شبكة «ANN» بتاريخ 29 يوليو 2012، فإن «صفقة أميركية تركية، منحت تركيا دورا فعالا على الأرض، تركها لتتحكم في الحدود مع سورية، فتفتحها كما تشاء ولمن تشاء، أو لتتحرك عسكريا وتقيم مناطق عازلة بينها وبين سورية لاحقا، وهو ما يمثله تحركها في إدلب وحلب سابقا».

ولعل ما يعزى من سياسات تركية وتدخلات في سورية، تتم قراءتها في السياق الإردوغاني الحالي فقط، مع تناسي أن سياسة إردوغان تجاه سورية تحديدا، مبنية على نفسٍ استعماري وطامعٍ قديم، بدأ منذ الاستيلاء التركي على لواء الإسكندرون عام 1939، ولم ينته بالخلافات المائية، إذ تسيطر أنقرة على منابع دجلة والفرات، وقامت عام 1998 بحرمان سورية من 90% من مصادرها المائية من النهرين، وهو ما لم يتغير في عهد إردوغان.

بعد الدخول من بوابة سورية إلى العالم العربي، موظِّفةً الطابع العثماني الغابر، والعاطفة الإسلاموية، وجدت تركيا مبررا في توسعها خلال عقد التحالفات مع شريك يتفق معها في طابعها وعاطفتها، ليكون حاضنة لمشاريعها في العالم العربي، هذا الشريك هو جماعةُ الإخوان المسلمين، الذين ترعاهم دولة قطر أيضا، وتروّج لهم ويروجون لها بقوة، منذ العقد الأخير من القرن العشرين.

تركيا التي وضعت نفسها في قلب الأزمة الخليجية منذ بدئها منتصف 2017، وقفت مباشرة إلى جانب حليفها الإستراتيجي «قطر»، التي تبلغ حجم الاستثمارات بينهما 35 مليار دولار أميركي، كما أنهما يشتركان في إيواء ودعم أشخاص ومحطات إعلامية تعمل على مهاجمة الدول العربية من الخارج، خصوصا ممن ينضوون تحت جناح جماعة الإخوان.

ويعد وجود آلاف الجنود الأتراك في قطر سابقا أو حاليا «انحيازا تاما من إردوغان إلى مصلحة دولة قطر، رغم أنه يدّعي لعب دور الوساطة في الأزمة»، بحسب رأي الخبير في شؤون الشرق الأوسط، جونتر ماير، الذي يقول في مقابلة له مع موقع «دويتشه فيله» بتاريخ 20 يوليو 2017، إن «تركيا تحاول مقاومة دول التحالف العربي خوفا على مصالحها الاقتصادية الخاصة، كما أنها وضعت قاعدتها العسكرية كموطئ قدم وحيد في الخليج، وهي تدعم عقيدة وأيديولوجيا الإخوان المسلمين المشتركة بين إردوغان وقطر التي تعدّ أكبر داعم للجماعة».

ويشير ماير إلى «محافظة تركيا على علاقاتها مع إيران»، خصوصا أن كلّا من تركيا وإيران تتوسعان سياسيا في اتجاه يوهمهما أنه منافس لدور المملكة كدولة مؤثرة في العالم الإسلامي، كما أن تركيا «تتميز بإبقائها على مصالحها مع أوروبا بطريقة أو بأخرى، مترافقةً مع خطابها الذي يروّج أن القضايا العربية هي قضايا داخلية تركية يجب التدخل فيها»، وفق مايرون.