(1)
نحن عندما نتكلم مع أي شخص نخاف أن نقول شيئا بدون قصد فيذكّره أو يذكّرها بتجربة صعبة مر أو مرت بها، وإذا حصل هذا الأمر واستوعبنا ذلك نحاول تغطيته، وربما التلعثم أو الاعتذار والتوضيح أننا بالفعل لم نكن نقصد تذكيره، ولم نسع أبدا للإساءة له. هذا الأمر، ستدرك بعد دراستك للإعلام والاتصال، أنه ينطبق أيضا حتى على تلك الرسائل التي نستهدف بها دولا، وجمعيات، أو جماهير غفيرة أجنبية. في ذواكر الدول والمجتمعات كافة هناك أمور حساسة، لا يفترض التطرق لها من مرسل خارجي، أو إذا اضطرت أي جهة للتطرق لها فيفترض تناولها بشكل حذر وواع لأقصى حد.
(2)
عندما تدرس في الإعلام والاتصال نظريات مثل «نظرية الغرس الثقافي» والتي يتم إخبارك فيها بأن التكرار على مسامع الناس يجعلهم يقتنعون بأي فكرة تطرحها عليهم مهما تم رفضها من قبلهم في البداية. هذا الأمر، يجعلك كممارس تحذر ألف مرة من تصديق ما يتم تكراره على مسامعك من اقتراحات تخص حياتك الخاصة، أو أمور تتعلق بمستقبلك وكيانك كإنسان مستقل.. بمصطلح آخر، تصبح شخصا من الصعب تشكيله أو توجيهه مهما كرر عليه الآخرون التوجيهات التي لا تتفق مع مبادئه.
(3)
في الإعلام، تدرس التشفير وفك التشفير، وكيف يسترجع المتلقي خبراته السابقة ومعارفه لكي يحاول فهم أي محتوى يقدمه الإعلام له. هذا الأمر يجعلك واعيا نقديا حول نفسك وماضيك ومعارفك التي تلقيتها من طفولتك حتى رشدك، وتلك التي أخذتها كأمور مسلّم بها، وبالتالي، تصبح بعد دراستك للإعلام وفهمك لهذه النظرية شخصا ينظر لنفسه كما لو أنه خارجها ويحلل قدراته، مما يجعل لديك احتمالية تطوير أكبر من غيرك.
(4)
خلال دراستك للإعلام ستتطرق لجوانب تتعلق بالتمثيل الإعلامي كما وكيفاً، وستنظر ضمن ذلك لإشكاليات التمثيل الإعلامي أكثر من المتوسط وأقل من المتوسط، ما يسمىOver and Under representation. سوف يتم إخبارك بأن هذه الهيمنة التي تشاهد في الإعلام لها أسباب كثيرة قد لا تخطر على بالك، مثل الأحادية في وجهات نظر الناشر أو الاحتكار في الملكية. سوف تدرك بعد ذلك أن هذه الهيمنة ليست بالضرورة حقيقية، وأن الواقع قد يكون أكثر تنوعا وتلونا. ولذلك، إذا ذاكرت درسك جيدا، سوف تتقبل الجميع مهما اختلفوا عنك أو عن السائد إعلاميا، ولربما تحترم كثيرا تلك التفاصيل التي يختلفون بها عنك ويختلفون بها عن السائد أو المروّج له عبر الإعلام.
عندما تخرّجتُ حاصلة على شهادة بكالوريوس الإعلام والاتصال مع مرتبة الشرف الأولى من بريطانيا شعرت أنني أشبهني أكثر، وأنني مؤمنة بنفسي أكثر، واثقة أكثر، متقبلة للآخرين أكثر، قادرة أكثر على التطوير من ذاتي. وجدت الأمر نفسه لدى زملائي وزميلاتي في الدفعة، ووجدته كذلك عند دارسي الإعلام وما قاربه من التخصصات خارج محيطي الجامعي. ولذلك بات من الممكن جدا القول إن دراستنا الجامعية، ولا سيما دراسة الإعلام، إذا لم تغيّرنا من العمق وتجعلنا نوظف ما تعلمناه لخدمة أنفسنا ومجتمعنا.. فهل استفدنا حقا من ارتيادنا الجامعة لأربع سنوات؟