بسبب ما يمر به العالم اليوم، بجميع شرائحه ومجتمعاته، من تغيرات سلبية أدت لخسارة الكثير من القيم والأخلاقيات والحقوق، يشعر الكثير منا أنه قد وصل إلى طريق مسدود، نساء معنّفات يعتقدن أن العمر قد مضى ولا أمل لهن بالنجاة، أطفال يتعرضون للتحرش، وأمهات مطلقات مقيدات بتقاليد وإجراءات قانونية غير مقنّنة وفي أحيان كثيرة غير واضحة تحرمهن من التوصل لأبنائهن لحمايتهم من الأذى، شباب مقهور لا يجد العمل، موظفون مجمدون على درجة بينما يرون من حولهم يترقى ويتحصل على ميزات هي من حقهم، وآخرون يتقدمون برفع شكوى يقدمون فيها أدلة على التعديات التي تحصل في أموال الشركة أو المؤسسة أو الدائرة، فيظهر من يُعلم مديريهم بذلك ويجدون نفسهم بين ليلة وضحاها في الشارع بدون وظيفة، وتبدأ رحلة المحاكم التي لا تنتهي، رجال عاجزون عن مصاريف أسرهم في ظل غلاء يخترق جيوبهم، فتيات في عمر الزهور يراقبن الممثلات ويعتقدن أن ما يرينه من جمال ورشاقة هو الأصل فيصبن بالإحباط، هذا إن لم يضعن جسديا أحيانا وأخلاقيا أحيانا أخرى في محاولات يائسة للتقليد، مراهقون ومراهقات غير قادرين على التواصل مع أهاليهم أو معلميهم ومعلماتهن فيقعون في محظورات منها الخطير بحيث يعتقدون أن لا نجاة لهم بعدها، وما الناتج؟ نجد أن الغالبية منهم يستسلم لما يسميه قدره ويتقوقع في ظلام داخلي ينتظر النهاية، يأس من إجراء أي مجهود لتغيير واقعه، يرى السواد حتى في شعاع شمس النهار!

لن أتطرق للأسباب فقد تعرض لها الكثير من الزملاء والزميلات من الكتاب غيري، فما حدث قد حدث، ولكن بينما نأمل أن يعمل الكثير على إيجاد الحلول بعد التوصل إلى جذور القضايا، دعونا نركز على الضحايا هنا، ولهذا حديثي اليوم لهم، يا سيدي ويا سيدتي يا ابني ويا ابنتي، إن كنتم ممن يشعرون أنهم قد وصلوا لهذا الخندق، فضلا لا أمرا أعيروني دقائق من وقتكم لمرافقتي في رحلة قصيرة، مثال من الحياة وهي تعج بالأمثلة من تاريخنا وتراثنا، ولكن اسمحو لي أن أنتقل بكم إلى ما وراء البحار، إلى عصر مضى، ولنتخيل معا أننا خلقنا فتاة عمياء صماء، شبه متوحشة، وجدت نفسها في صندوق أسود غير قادرة على التواصل مع أي شخص خارج عالمها المرعب، ثم بلحظة ومن خلال كلمة على يد معلمة عظيمة، خرجت إلى النور، إنها هلين كيلر المرأة التي تغلبت على تحديات إعاقتها لتصبح الكاتبة والمتحدثة والمناضلة في حقوق المعاقين، ليس فقط في بلدها بل حول العالم، امرأة أصرت على إكمال تعليمها وحصلت على أعلى الشهادات من أكثر من كلية وجامعة، امرأة رغم كل ما تعرضت له لم تيأس بل أحبت الناس من خلال حبها لخالقها، وسخرت حياتها حسب قولها: "لأولئك الذين هم أقل حظا مني... وسأبذل قصارى جهدي، ولن أتوقف طالما أنني قادرة على مساعدة الآخرين، ليتحطم جدار الظلام وتصب مياه الفرح في صحراء الصمت".

تلك اليد كانت لمعلمة عظيمة، آن سوليفان، التي لم تيأس رغم كل الصعوبات التي وجدتها في ترويض الطفلة، لقد أرادتها أن ترى العالم من خلال يديها، وأخذت تبحث عن المفتاح لكي تطلقها من عالم الظلام إلى عالم النور، والمفتاح كان كلمة حولت من خلالها الطفلة شبه المتوحشة إلى إنسانة رائعة، لقد نجحت بذلك في إيقاظ عقل جميل من غفوته، وكانت هذه الكلمة "ماء"، تذكرت هلين معناها قبل أن تفقد بصرها وسمعها من جراء حمى أصابتها وهي لم تقارب الثمانية عشر شهرا من عمرها، مع حركة الأصابع التي كانت تمثل الأبجدية، تعلمت هلين أن كل شيء له اسم، وفتحت أمامها أبواب الحياة.

تقول هلين عن تلك الفترة: لقد عرفت تلك الهاوية حيث لا يوجد أمل، كان الظلام يغطي وجه كل شيء، كنت أحاول التخلص من الضياع بضرب رأسي على الجدار الذي كان يفصلني عن العالم، كانت حياتي بلا ماض بلا حاضر بلا مستقبل، هل يمكن لأي شخص أن يتحرر من أسر كهذا؟! نعم برحمة ربي، جاءت على هيئة "كلمة" شكلت على أصابع يد أخرى، أُسقطت في يدي التي لم تكن تمسك شيئا سوى الفراغ، فقفز معها قلبي إلى نشوة الحياة، وهرب الليل أمام فكر النهار، والحب والفرح والأمل جاءت في شغف كي تسير في طاعة المعرفة، بعد كل ذلك أستغرب كيف يمكن لمن تذوق طعم إدارك القدرة على التفكير، واستنشاق مجد الحرية، من تعرف على عظمة الخالق من خلال مسام يديه ووجهه، بل بكل ذرة في كيانه، أن يكون متشائما؟!

والآن ما أطلبه قد يكون صعبا، لا بل هو الصعوبة نفسها، وقد يلوي بعضكم الشفاه قائلا: "الذي يداه بالماء ليس كالذي يداه بالنار"! ولكن الكلمة التي عندي عظيمة، هي الأمل، هي القوة، هي الإرادة، هي العطاء، هي العدل، هي الرحمة، هي البداية وهي النهاية، جربوا أن تغرسوها في قلوبكم، في دمائكم، في أرواحكم، دعوها تتمركز في قلب حياتكم وسترون النتيجة، سترون أن كل مخاوفكم ستتلاشى ويدخل مكانها القوة، سترون أن الفكر سيتحرك سينطلق وتظهر على شاشات حياتكم حلول لم تخطر لكم على بال، ستجدون المساعدة من حيث لا تحتسبون ولا تنتظرون، أطلت عليكم؟ إليكم الكلمة: "الله".