نقرأ ونسمع كثيرا في وسائل الإعلام المختلفة والمجالس الثقافية عن فلسفة المشاريع، كونها المحددة للأهداف بدقة، والموضحة لوسائل الوصول لها، ولكن السؤال: هل كل المشاريع العامة التي تدخل في خدمة الناس بحاجة لفلسفة؟
الجواب: هناك فئة من المشاريع بحاجة لفلسفة وأخرى ليست بحاجة لفلسفة، فبناء الطرق العامة ورصف الشوارع عادة لا يحتاج لتحديد الفلسفة من إقامتها، حيث تظهر محاسنها وعيوبها عند استخدامها بشكل مباشر، وبالتالي يسهل الحكم عليها ومعالجتها ومحاسبة القائمين عليها، أما التعليم فهو من فئة المشاريع التي بحاجة لفلسفة واضحة ومحددة لأن نتائجها لا تظهر فوريا، بل تحتاج لفترة زمنية حتى تحكم على مخرجاتها، وهنا تكمن صعوبة العلاج كون الضحية هنا جيل كامل، ولذلك يأتي السؤال أولا وقبل الشروع في التنفيذ: ماهي فلسفة وزارة التعليم التي تريد بناء المشروع عليها؟ وعلى إثرها نقوم جميعا بتقييم المشروع وتوقع نجاحه في الوصول لأهدافه المستقبلية.
هذه الفلسفة يعبر عنها في كثير من الدول في العالم، بوثيقة تسمى، «وثيقة سياسة التعليم»، وهناك تجارب عدة لدول طورت من سياستها التعليمية وأوجدت علاقة وطيدة بين الإصلاح التربوي والسياسة التعليمية، فماليزيا مثلا لديها تاريخ طويل في تطوير سياساتها التعليمية وتشريعاتها التربوية، حيث صدرت عدة تقارير ومشاريع إصلاحية منذ أيام الاستعمار مثل مشروع شيسمن في المدة (1945-1949) وتقرير برنيس (1950)، وقانون وين، وتقرير سنة (1954)، ثم تقرير رازق (1959) التي كانت توصياته أساسًا لإصلاح تعليم البلاد.
ويعد الإصلاح التربوي الأخير في سياسة التعليم الماليزي الذي تضمنته خطتها الأخيرة (2020م) من أهم الإصلاحات في هذا القرن، ونتائجها ظهرت على مخرجاتها التعليمية، وهذا ما جعلها تحقق في اقتصادها تراكمًا كبيرًا من رأس المال البشري الذي هو عمود التنمية وجوهرها.
أما نحن في المملكة فلدينا وثيقة تعليمية وصل عمرها لـ 50 عاما أي منذ بداية السبعينيات الميلادية، وهي الفترة التي تم فيها تعيين بعض من المسؤولين وبحسن نية من جماعة الإخوان المسلمين، الذين حرصوا على السيطرة على وزارات التربية والتعليم آنذاك.
كثير من المثقفين والمختصين في مجال التربية والتعليم قاموا بنقد الوثيقة، حيث أشار بعضهم إلى أن كثيرا من مفرداتها لا تشير للوطن أو المواطن أو التنمية، وهي بذلك لا تنسجم مع خطط المملكة اليوم ورؤيتها الجديدة.
وزير التعليم يعلم علم اليقين أهمية تطوير وثيقة سياسة التعليم في المملكة، ففي كتابه «إصلاح التعليم» كان يشير إلى ذلك في عدة موارد.
قبل أيام قرأت خبرا عن مشاركة وزير التعليم نظراءه وزراء التعليم في دول مجموعة العشرين، في مدينة ماندوزا بالأرجنتين؛ للمصادقة على وثيقة التعليم واعتمادها. أتمنى أن يستفاد منها في تطوير وثيقة التعليم الجديدة التي نأمل أن ترى النور في القريب العاجل.