دعوة كريمة من صديق نيبالي جعلتني أتشوق لاستكشاف هذا البلد. صحيح أن البلد بدائي من حيث البنية التحتية بناء على العهد الملكي السالف، الذي كانت له مراحل جيدة ثم ساءت أحواله وبدأت الخلافات في الأسرة المالكة التي انتهت بالتصفيات في مذبحة سميت بـ«مذبحة القصر الملكي»، حين قام ولي العهد الأمير ديابندرا بإطلاق النار على والده الملك بيرندرا والملكة إيشواريا وسبعة أفراد من العائلة المالكة، ثم أقدم على الانتحار ليتولى الملك عمه جينندرا ومن ثم انتقل البلد، مؤخرا، إلى الحياة الجمهورية.

المتناقضات هي العامل المشترك في النيبال. بلد يجمع بين الطبيعة الخلابة والأنهار الجارية والأمطار الموسمية وبين التلوث، لا سيما في العاصمة التي تعتدل فيها درجة الحرارة وتهطل الأمطار صيفا، غير أنك لا تستطيع التخلي عن شيئين اثنين وهما الكمام والمظلة الشخصية. الأولى بسبب تلوث الأجواء بالأتربة نتيجة للطرق الترابية التي لم تنعم بالأسفلت بعد، وتطاير الأتربة حتى على الشوارع المسفلتة، فضلا عن الدراجات النارية التي تملأ الأرجاء حتى تظنها أكثر من البشر. غير أن الكمام والمظلة لا يجتمعان. فحين يسقط المطر ترفع المظلة وتنزع الكمام عن أنفك وفيك لركود الأتربة واستنشاق ريح المطر الذي «ينعش صدور المخاليق». والغالب أن المظلة هي المصاحب الأكبر في كاتماندو نظرا لموسم الأمطار التي لا تتوقف صيفا.

قد تتفاجأ بصغر أزقة العاصمة، وتحديدا في منطقة تاميل المكتظة بالسياح والمليئة بالمحلات الشعبية، يُمنة ويسرة، إلا أنك ستتعايش وتجد الصخب والاكتظاظ شيئا من المتعة، لا سيما مع التعداد الكبير لسكان العاصمة البالغ مليونا ونصف المليون نسمة، أغلبهم راجلون أو على دراجات نارية.

ستلاحظ أن القيادة عكس أغلب دول العالم، وهو اتخاذ المسار الأيسر، ويكون المقود في الجهة اليمنى. حصل لي موقف في مطار كاتماندو حين هممت بالركوب في التاكسي الذي كان في استقبالي من الفندق، فتح لي العامل باب السيارة الخلفي لكني تفاجأت بوجود شخص في الجهة اليمنى الأمامية، ظننت السائق يجمع أكثر من راكب في «مشوار» واحد، وهممت بالاحتجاج، إلا أن المفاجأة أن الشخص الراكب بالأمام، ما هو إلا سائق التاكسي نفسه!

الوجبات السريعة متوفرة لكنها قليلة (ولله الحمد)، خاصة الأسماء الدولية منها، غير أن المطبخ الآسيوي يغنيك عن كل هذا. المطبخ النيبالي هو المطبخ الهندي بالتمام، فهناك الكاري والبرياني وخبز الروتي والتندوري، وكذلك الكباب، فضلا عن المطاعم التي تتزين بلافتة «حلال».

البلد يمتاز بأقصى درجات الأمان، إذ تسير في أي وقت وأي مكان دون ريبة، والشعب النيبالي يمتاز بالطيبة المتناهية وبذل الجهد للمساعدة دون انتظار مردود مادي. ورغم قلة ذات اليد، إلا أنك لن تجد من يضايقك لطلب المال كصدقة أو حتى «البقشيش».

في نيبال يوجد 8 مرتفعات ضمن أعلى 10 مرتفعات في العالم، ومنها قمة إيفرست لهذا تعد مقصدا مثاليا لمتسلقي الجبال ومتسلقي الصخور والأشخاص الذين يسعون إلى المغامرة، لذا يأتيها هواة التسلق من كل أنحاء العالم، فضلا عن السياحة الدينية لوجود المعابد الهندوسية التي هي ديانة أكثر من ?%80? من السكان والبقية تتوزع بين البوذية والإسلام على التوالي.

نيبال توجد بين ثنايا جبال الهملايا الوعرة، وهي دولة داخلية «حبيسة»، إذ لا سواحل بحرية لها ولا يوجد فيها سوى منفذين بريين وهما منفذي الهند والصين، ولهذا فهي تعاني العزلة، الأمر الذي يخلق عائقا اقتصاديا وسياسيا لعدم إمكانية الوصول إلى المياه الدولية.

صحيح أن هناك بعض الدول الحبيسة غنية مثل سويسرا والنمسا، إلا أن تلك الدول تقع في القارة الأوروبية، ولها بعض التحالفات مع جيرانها، علاوة على تعداد سكانها القليل الذي لا يتجاوز مجموعهم ثلث سكان نيبال، بالإضافة إلى كثرة الدول المحيطة بسويسرا والنمسا. فسويسرا محاطة بأربع دول، والنمسا محاطة بثماني دول، بينما نيبال محاطة بدولتين فقط.

هناك بعض المدن والقرى تستحق الزيارة مثل منطقة بنديبور ومدينة بوخارا. الأولى عبارة عن قرية سياحية جميلة في سفح مرتفع أخّاذ مطل على الغابات والجبال المحيطة من كل الجوانب، بينما الثانية تمتاز بإطلالتها على بحيرة جميلة وفيها العديد من الأنشطة والفعاليات، ويقصدها السياح الغربيون لقربها من المرتفعات العالمية.

في بوخارا وجدت خليجيين قادمين لغرض حفر الآبار في المناطق المحتاجة، فاجأني أحدهم بقوله أتمنى ألا يذهب السياح العرب للنيبال كي لا ترتفع الأسعار كما حصل في غيرها!