قال تعالى: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ* وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِين* أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُه بَلْ أُولَ?ئِكَ هُمُ الظَّالِمُون).

يخبر تعالى عن حالة الظالمين، ممن في قلبه مرض وضعف إيمان، أو نفاق وريب وضعف علم، أنهم يقولون بألسنتهم، ما لا يلتزمون به، وهذا ما نراه في كثير من الأحزاب والفِرق والجماعات والتنظيمات المنتسبة للإسلام، يقولون بألسنتهم ما لا يلتزمون به، لأنهم أهل أهواء، يُنادون بـ(الحاكمية)، بل ويُبالغون في ذلك حتى جعلوها نوعا مستقلا من أنواع التوحيد، مع أنها داخلة في أنواع التوحيد الثلاثة المعروفة، فهي داخلة في الربوبية من جهة أن الحكم لله، والله تعالى هو الذي يحكم، وداخلة في توحيد الألوهية لأن التنفيذ والتطبيق هو عبادة لله، عز وجل، وهذا هو توحيد الألوهية، وسبب تلك المبالغة، رغبتهم في اتخاذ (الحاكمية) ذريعة للتجييش واستعطاف الجماهير المسلمة بهدف انتزاع السلطة، وإلا فهم أول من يُخالف حكم الله، ولهذا إذا دُعوا إلى حكم الله، ليحكم فيهم أو فيمن يتعاطفون معه، إذا دُعوا لذلك في المحاكم الشرعية -والتي قضاتها أهل علم متخرجون في كليات الشريعة- نكصوا على أعقابهم، معارضين ومعرضين ومشككين، بينما لو علموا أن الحق لهم لأتوا إليه مذعنين ومسرعين، لا لأنه حكم الله، ولكن لأنه يوافق أهواءهم، ومن رأى القنوات الفضائية التابعة لأنظمة دول معادية، وجماعات حزبية، يرى ذلك التناقض عيانا بيانا، كما يرى فجورهم في الخصومة، وتدخلهم فيما ليس من شؤونهم.

فتارة يتحدثون بتهويل ومبالغة عن وجود منكرات في المملكة العربية السعودية، وهدفهم من ذلك الإثارة والتهييج والتشويه، وإلا فالمنكرات هم أحق بها وأهلها، وفي دولهم من الكبائر والبوائق ما هو ظاهر، ومع ذلك لا يتحدثون عنها.

كما يُنصِّبون أنفسهم مدافعين عن مواطنين سعوديين قُدِّموا للقضاء الشرعي، ليحكم فيهم، والواقع أنهم ليسوا مدافعين، بل هم مسيئون، لأنهم يهرفون بما لا يعرفون، ويتقدمون على القضاء الشرعي، الذي سينظر في التهم والدعاوى، فيحكم بما يقتضيه النظر الشرعي، من البراءة، أو الإدانة في كل ما قيل من التهم، أو بعضها، فلا سلطان على القضاء في المملكة العربية السعودية إلا سلطان الشريعة، وقد نصت المادة رقم 46 من النظام الأساسي للحكم على ما يلي: (القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية).

وما دام أنه لا سلطان على القضاة إلا سلطان الشريعة، فهذا يسر كل مسلم وكل محب للعدل، ولا يغضب من ذلك إلا من كره حكم الشريعة من أهل النفاق والشقاق، وقد قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى? يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

أقول قولي هذا: وأنا أحفظ لساني من الحكم على أي موقوف بإدانة أو براءة، لأن ذلك إلى القضاء الشرعي، الذي يدرس الدعاوى والبينات المقدمة ويعرضها على كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، ثم يُصدِر حكمه الشرعي، وإذا صدر الحكم الشرعي فهو الذي يُعتَمد، ونقول بموجبه، فنرجو أن يكف المناوئون لقضائنا الشرعي ألسنتهم، وليُصلحوا أنفسهم وبلدانهم، وليعلموا أن الشعب السعودي مع قادته، وهو أسمى من أن تؤثر فيه دعايات وبرامج الحاقدين، وليعلموا أن الدولة السعودية أحرص على مواطنيها من كل أحد، فلا مجال لمزايدة المناوئين وإرجافهم وكذبهم، فذلك زبدٌ سيذهب جفاءً.