يتحكم كثير من عادات الناس وأعرافها وتقاليدها في حياة البشر، وفي السفر والحضر يستطيع الإنسان أن يلاحظ حال الناس مع ما قدمته، وأنهم بين عدم فهم مغزاها تارة، وبين تقديسها أو إهمالها تارة أخرى.
والعادات والتقاليد التي يسير عليها الناس، فيها الصالح وفيها غيره، ولمّا جاء الإسلام على السابقين، أقر، وألغى، وعدّل.
فعلى سبيل المثال ألغى بيع المخاطرة والغرر، وأقر نوعا من الزواج، وألغى سواه، كما بينته السيدة عائشة -رضي الله عنها- في قولها «إن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء، فلما بعث الله محمدا بالحق هدم نكاح الجاهلية إلاَّ نكاح الناس اليوم». وأقر الدين أصل الطلاق، ووضع له نظاما، واعتبر -صلى الله عليه وسلم- العرف القائم عند بعثته، ولم يغيره، لأنه مجرد أمر متعارف معمول به من قديم الزمن، وما أقره لم يبقه على ما كان عليه كعادة وعرف، بل أصبح تشريعا ودينا.
أصحاب المذاهب الفقهية المشهورة لهم تقديرهم البالغ للأعراف، فقد اعتمد الإمام أبو حنيفة العرف، حتى جرى على ألسنة الناس أن الأحناف أكثر المذاهب اعتبارا له واعتمادا عليه، واعتبر المذهب المالكي العرف أصلا من أصوله، ومن أعظم المرجحات، واعتبرت «العادة دليلا أصليا، بنى الله عليه الأحكام، وربط بها الحلال والحرام»، وتأثر الإمام الشافعي بأعراف الناس، وتجلى ذلك في اختلاف قوليه القديم والجديد، والمذهب الحنبلي الذي اشتهر بالتمسك بالنصوص، حكّم العرف في كثير من الفروع، واعتبر «إهمال قصد المتكلم ونيته وعرفه جناية على الإنسان وعلى الشريعة».
وفي المجمل، نجد أن فقهاء الشريعة -على اختلاف مذاهبهم- متفقون على اعتبار العرف بصفة عامة دليلا من الأدلة التي انبنت عليه جملة من الأحكام الفقهية، وبنوا على ذلك مجموعة من القواعد كقاعدة الثابت بالعرف كالثابت بالنص، وقاعدة العادة محكمة، وقاعدة العادة كالشرع، وقاعدة الممتنع عادة كالممتنع حقيقة، وقاعدة الحقيقة تترك بدلالة العرف والعادة، وقاعدة المعروف عُرفًا كالمشروط شرطًا، وقاعدة استعمال الناس حجة يجب العمل بها، وقاعدة العبرة للغالب الشائع لا للنادر، وقاعدة العرف بين التجار كالمشروط بينهم، وقاعدة الثابت بالعرف ثابت بالدليل الشرعي، وقاعدة لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان.
اليوم، وكما ذكرت في الأسطر الأولى، يصادف الإنسان في حياته كثيرا من عادات غيره، خصوصا تلك العادات المتعلقة بالحياة الاجتماعية، كالسلام والطعام واللباس، أو تلك المتصلة بالمجاملات العامة، ولا يفهمها، وقد يعترض عليها، ويظنها ضد التقدم، وربما يستهزئ، وربما يعتقد أنها مخالفة للدين الذي يعرفه، مع أنه لو كانت لديه بصيرة أو علم لعلم أن الشريعة عندما أوضحت المبادئ، تركت التفاصيل للقائمين على تنفيذها، ولم تمنعهم من أن يستلهموا ويستنبطوا من روحها وأصولها ما ليس في نصوصها، وأباحت أن يتمتع كل إنسان بعاداته غير المخالفة لقواعد الشريعة العامة، ولعل ذلك يؤكد ضرورة عدم التمرد على الأعراف والتقاليد، فـفعل العيب، ليس من صميم التمدن، وتغييب قيمة العادات الاجتماعية عن المجتمعات، من عوامل هدمها.