المجتمعات المنطوية على نفسها والرافضة تماما فكرة الاختلاط مع غيرها من المجتمعات، هي أكثر الشعوب تخلفا ورجعية وكذلك وحشية، حيث إن خوفها من فكرة أن يقتحم عزلتها أحد يدفعها إلى اتخاذ وسائل دفاعية وهجومية غاية في التطرف، والمجتمعات البدائية في بعض أجزاء العالم خير مثال على ما تعيشه هذه المجتمعات من عزلة مخيفة وما تمارس من طقوس تزيدها غربة وعزلة، وهذه الشعوب إن كانت بهذا الجهل والتخلف فلأنها لم تدخل مجال الحاضرة الإنسانية، ولا تعلم عن تطور الإنسانية أي شيء سوى ما وجدت عليه الآباء والأجداد من أفعال، الهدف منها إشباع حاجات الفرد البدائية من أكل وشرب وتكاثر.
هكذا هي المجتمعات البدائية متعصبة ومتطرفة للنوع، وقد نبرر ذلك إلى انطوائها كما أسلفنا وبعدها عن مراكز الحضارة في الدول أو المناطق التي تتواجد فيها، ما هو مؤسف حقا أن هناك جماعات وتجمعات في مناطق نستطيع القول إنها نالت نصيبا من التحضر تتعامل مع الآخر المختلف عنها بنفس النهج المغالي في العنصرية المتوجس والظان في غيره الضلال والبعد عن مسلك الدروب التقية، كما يراها ويصنفها هو، وهذا الداء الفتاك هو الذي دمر أمما وهدم حضارات لما يفرزه من عداوات ومشاحنات تصل حد قيام النزاعات والحروب، والتي تشتعل الآن في العديد من الدول الإسلامية دون غيرها، بسبب هذا المرض المستشري، وعلى الرغم من أننا نعي العلاج لكن نرفض الأخذ به ونبحث في استماتة عما يزيد من انتشار هذا الداء وتمدده، بحيث يصل إلى أكبر شريحة في المجتمع لتعم الفوضى أكثر وأكثر، والنتيجة كل الأطراف خاسرة فلن تفني فئة أخرى، ولن تقنعها بأن نهجها الأصح وتلك على خطأ، الدنيا وجدت هكذا متباينة في الخلق والخليقة، ولو كان كل البشر متطابقين فلن توجد حياة من الأصل، وليت أولئك الأفراد الشاذين في مجتمعنا السعودي يعون ذلك، ففي كل مرة يخرج أحدهم لاعنا لجماعة وآخر سابا وساخرا من قبيلة، وفي تبجح غريب قد يقول البعض إن هؤلاء شواذ فكريا، وأن تلك الممارسات قليلة وقريبا سوف يتم القضاء عليها، نتمنى ذلك.
لكن الحقيقة أن هؤلاء هم أعضاء في خلايا نائمة تتربص بالوطن، وتتحين فرصة الظهور للتخريب وإثارة النعرات، ولن نستبعد أن لها أذرعا في الداخل والخارج ومحرضين يهمهم كثيرا تدمير الوطن، واستغلال أبنائه في ذلك، بحيث يصبحون الأداة التي يتحكم فيها العدو، وهو يعي دائما نقاط التأثير التي يمكن أن يضرب عليها لتحقيق مأربه، ولن نقول إن ما يفعله هؤلاء جاهلية فقط، بل هي عدائية وخيانة للوطن لأنه يستحيل أن تحب وطنك وأنت تسعى للتعاون مع إعدائه للنيل منه، ما هو مطمئن لنا هو حزم الدولة مع هذه الفئة وتوعد النيابة العامة بملاحقة كل من يخل بالأمن أو يثير الطائفية والقبلية بين أبناء الوطن، وأن تصل إليهم مهما تخفوا، ونعلم أن الدولة جادة في ذلك، لكن حتى يكونوا عبرة وعظة لا بد أن تكشف للرأي العام نتائج التحقيقات مع من يتم توقيفهم نتيجة تلك الممارسات والعقوبات المستحقة على الفعل، وهذا أكبر رادع للمتطرف والعنصري الذي تسول له نفسه الخروج على العلن ليسب أو يهدد أي فرد من أفراد المجتمع، لأن البعض لم يصدق أن هناك إجراءات تتخذ فعلا، وأن الوضع اختلف عن السابق، في المرحلة الحالية الأقنعة تساقطت والمجتمع أظهر الرغبة والشغف للتغيير، وأثبت عند أول تجربة للتحرك بحرية خاضعا لرقابته الذاتية على سلوكه أنه لا يختلف عن المجتمعات الأخرى في ممارسة حياته وفق النظام ودون الحاجة إلى رقابة أو توجيه أو مطاردة من أحد، في السابق كان التشكيك والتخوين يقيد الفرد، بل ويزرع الخوف في نفسه أن يرتكب محظور ما، الآن ومع منهج التغيير الجديد وصدور الأنظمة والقوانين التي تحدد وتحمي الفرد في إطار القيم الدينية والعرف الاجتماعي، نستطيع أن نقول إن المجتمع أصبح يمارس حياته الطبيعية في أمان وهدوء دون صخب أو مشاكل كانت تحدث في السابق بشكل يومي في الأماكن العامة وغيرها.