نشرت هيئة السوق المالية على موقعها الإلكتروني، مسودة مشروع قواعد تسجيل مدققي حسابات المنشآت الخاضعة لإشراف الهيئة، وذلك لاستطلاع مرئيات العموم والمختصين والمهتمين وأخذ مقترحاتهم حول هذا المشروع، والذي يهدف إلى «وضع المعايير والشروط الواجب توافرها في مدققي حسابات كل من السوق المالية السعودية ومركز إيداع الأوراق المالية والأشخاص المرخص لهم بممارسة أعمال الأوراق المالية».
ويعتبر هذا المشروع في الحقيقة خطوة رائعة نحو تفعيل الرقابة والإشراف على شركات ومكاتب المراجعة القانونية في المملكة، والتي تقوم بمراجعة القوائم المالية للشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودي، وخاصةً إذا علمنا أن نظرة المستثمرين ورجال الأعمال إلى شركات المحاسبة القانونية هي نظرة سلبية للأسف، حيث يعتبر البعض أن مهمة المراجعة هي مجرّد تلبية للأنظمة والقوانين التجارية ولنظام هيئة السوق المالية.
فالبعض الذين ليس لديهم معرفة بفن وأهمية مهنة المراجعة يعتبرون تقرير المراجع بسبب اختصاره وإيجازه أنه يحتوي على الجوانب النظامية والقانونية الضرورية فقط، ويفتقر إلى المضمون والجوهر، وليس هذا وحسب، بل يرى البعض أن المراجعين يسهل خداعهم ويمكن بسهولة التلاعب بالقوائم المالية، وتقديم مستندات مزورة، بالإضافة إلى إمكانية خداعهم عندما يقومون بالزيارة الميدانية للمشاريع وجرد المستودعات، والأهم من ذلك كله أنهم دائماً لا يرغبون في خسارة العميل ويتمسكون به ناهيك عن المصالح الأخرى التي قد تنشأ بين الشركة والمراجع، خاصة في الخدمات الأخرى، مثل خدمات الضريبة والزكاة والخدمات الاستشارية، وبالتالي فإن المستثمرين يتعرضون للتضليل والخداع بانتظام من قبل مجلس الإدارة والمديرين في الإدارة التنفيذية.
لا شك أن أية مهنة في العالم قد يسيء إليها بعض المنتسبين إليها من خلال الممارسات غير الأخلاقية وغير القانونية، ومهنة المحاسبة والمراجعة كغيرها من المهن الأخرى مثل الطب والهندسة، وهناك قصص كثيرة تحكي عن إهمال الأطباء أو استغلالهم للمرضى، وكذلك قصص عن غش المكاتب الهندسية في المشاريع والبناء والتشييد، أو إهمال أو تواطؤ المكاتب الاستشارية في الإشراف على تلك المشاريع.. فهل معنى ذلك أنه يمكن الاستغناء عن مهنة الطب أو الهندسة أو عدم الثقة فيها؟، بالطبع لا، فهناك أطباء ومهندسون كثر من أصحاب الكفاءات ولهم سمعتهم المهنية ومعروفون بالمصداقية والنزاهة.
غالبية الناس تدرك أهمية مهنة الطب ومهنة الهندسة، ويدركون المسؤوليات القانونية لها بعكس مهنة المحاسبة والمراجعة والتي لا تختلف عن هذه المهن، من حيث مسؤولياتها القانونية ومعاييرها الفنية والأخلاقية، وهناك غموض شديد حول أهمية هذه المهنة والخدمات التي تقدمها للمجتمع، وخاصة بالنسبة للمستهلكين وللمستثمرين ورجال الأعمال والبنوك والجهات الحكومية.
لا يتسع المجال هنا لشرح طبيعة ودور مهنة المحاسبة والمراجعة والخدمات المهنية التي تقدمها إلى المجتمع، فهي غير واضحة حتى لكثير من المستثمرين ورجال الأعمال والمديرين التنفيذيين القريبين والمهتمين بالسوق والتجارة، فما بالك بالفئات الأخرى من المجتمع البعيدة عن التجارة والاستثمار، ومع ذلك يمكن توضيح دور المحاسب القانوني في مجال حوكمة الشركات وتأثير مشروع تسجيل مدققي ومراجعي الحسابات عليها وعلى مهنة المراجعة بشكل عام.
فمن خلال الاطلاع الأولي على مسودة المشروع نجد أنها تأخذ في الاعتبار شروط التسجيل والإفصاح المعمول بها دولياً وفي أكثر الدول المتقدمة، مثل الإفصاح عن أسماء عملاء المراجعة وبيان السياسات المتبعة لرقابة الجودة وأخلاقيات المهنة والاستقلال، والمؤهلات المطلوبة للمراجعين، بالإضافة إلى نشر تقرير الشفافية السنوي لشركة المراجعة، ودعم جودة إعداد التقارير المالية والتواصل مع لجان المراجعة في الشركات، خاصة في الموضوعات والقضايا الهامة للحوكمة، التي تنشأ من المراجعة فيما يتعلق بأوجه القصور الجوهرية التي تم ملاحظتها في الرقابة الداخلية المرتبطة بإعداد التقارير المالية.
والاشتراطات السابقة لتسجيل المحاسب القانوني واعتماده في هيئة السوق المالية توسع من نطاق الرقابة على شركات المراجعة ومدى التزامها بالمعايير المهنية، بالإضافة إلى المساءلة القانونية، وتوضيح التزامات المراجع نحو المواضيع المتعلقة بالحوكمة، ومن ذلك على سبيل المثال أوجه الضعف والقصور في الرقابة الداخلية، عدم الالتزام بالقوانين واللوائح، الغش الذي تتدخل فيه الإدارة، والأثر المحتمل لأي مخاطر جوهرية على القوائم المالية.
وكما هو معلوم فقد أصدرت هيئة السوق المالية لائحة الحوكمة الجديدة، ولكي تضمن الهيئة الالتزام بها فمن الضروري أن يكون هناك تسجيل لشركات المراجعة، وإنشاء وتبني قواعد المراجعة والرقابة على الجودة والأخلاقيات والاستقلال، وعلى هذا الأساس وحتى يتم تفعيل الرقابة على شركات المراجعة بما ينعكس بالإيجاب على المهنة نفسها وعلى الثقة أكثر في الأسواق المالية والشركات، اقترح الآتي:
-الإسراع في النظر في النظام الجديد للمحاسبين القانونيين في المملكة، بحيث يكون هناك إشراف مستقل وكامل لأداء شركات المراجعة ورقابة الجودة.
-حتى يكون للمحاسب القانوني دور محوري في حوكمة الشركات من الضروري جداً أن يقدم رأيا في فاعلية أنظمة الرقابة الداخلية ومراجعة تقارير حوكمة الشركات، ومدى الالتزام باللائحة الجديدة، تماماً مثل الرأي في مدى عدالة القوائم المالية، ويتم نشرها في التقارير السنوية للشركات.