يا ترى، لو قمت بزيارة كندا، هل يوجد على امتداد كل مساحة كندا ولو تواليت بالمجان؟ أليس عليك أن تدفع حتى تقوم بأبسط حقوق البشر، وإن لم تملك النقود قد تفعلها على نفسك؟ ثم لو شعرت بالجوع فهل يوجد على امتداد كل مساحة كندا ولو «ساندويشة» فلافل بالمجان أو حتى شربة ماء؟ لو دخلت مطعما ولم تكن تملك النقود أليس مصيرك السجن لا محالة، أو غرفة العناية الحثيثة من بوكسات البودي جارد؟ ثم لو أقيمت مباراة أو ندوة ألا تجد الشرطة الكندية مدججة بكل أنواع الأسلحة الثقيلة لحمايتهم، بما فيها الغاز المسيل للدموع والمدافع الرشاشة؟ هل توجد وسيلة نقل حتى لو كانت سيارة إسعاف تقدمها السلطات الكندية بالمجان؟ هل يوجد مستشفى في كل أرجاء كندا يقيس لك الضغط دون مقابل؟ هل من الممكن أن تكيّف كندا الشوارع والممرات، وتضع المراوح في كل مكان، تخفيفا على زائريها؟!
نسأل عن كل ذلك برسم القلق والخوف على الإنسانية المزعومة، ثم لماذا لم تنظر كندا إلى موسم الحج في المملكة العربية السعودية؟ أليست تبحث عن الإنسانية وتدافع عنها؟ ألم تشاهد كندا عشرات الآلاف من الجنود السعوديين وهم يخدمون ملايين الحجاج دون أن يحمل الجندي السعودي ولو عصا في يده، وكل ما يحمله قلب حنون وأيدٍ رحيمة تداعب الأطفال، وتمسح عرق الكبار، وتجر عربات المسنين.
يا ترى، لو موسم الحج في كندا، ألم نكن سنشاهد المدرعات والغاز المسيل للدموع والزنازين منتشرة في كل مكان؟ ثم ألم تشاهد كندا عشرات المستشفيات منتشرة في كل المشاعر، تستطيع أن تجري جراحة قلب مفتوح، ولا تسمع من الأطباء إلا الحمد لله على السلامة، دون أن يطلب منك حتى كشفية الطبيب أو مراجعة قسم المحاسبة؟ هل يوجد على امتداد مساحة العالم، حتى في بلدك، من يجري لك جراحة حتى لو كانت إزالة المرارة دون أن تدفع؟
نبحث عن الإنسانية -جميل جدا- أليس إطعام ملايين الحجاج بالمجان -دون فضل ولا منة- ودون أن يفصح صاحبها حتى عن هويته من أهل الخير؟ أليس أعظم صور الإنسانية حين تقدم الطعام والشراب لشخص لا تعرفه، وقد يكون ليس ابن بلدك؟ أعطني بلدا في العالم تقف فيه الشاحنات على مد البصر وفيها ما فيها من الماء وألذ الوجبات، لتقدم الطعام والشراب بالمجان، هل أقوى اقتصادات العالم فعلتها من قبل، أو تستقبلك في مطاراتها ولو بشربة ماء؟!
هل شاهدت كندا آلاف العمال يقومون بتنظيف دورات المياه كل دقيقة حتى يشعر الحاج بإنسانيته وبالمجان؟ يا ترى كم كانت ستتقاضى السلطات الكندية لو قامت فقط بتقديم تلك الخدمات؟ هل شاهدت كندا آلاف الباصات تنقل حجاج بيت الله الحرام بالمجان، تسهيلا عليهم دون أن يسأل السائق عن جنسية الحاج، بل كل ما يقوله تفضل أخي الحاج؟ هل تعلم كندا أن كل الخدمات التي تقدمها السلطات السعودية بالمجان؟
للعلم فقط، لو تقاضوا ريالا واحدا عن كل خدمة يقدمونها، لكانت حصيلتهم مليارات الدولارات، ولكن كل المسؤولين السعوديين لم يكن حديثهم في المؤتمرات الصحفية إلا أنهم يتشرفون بخدمة حجاج بيت الله الحرام.
250 ألفا سخّرتهم السلطات السعودية لخدمة الحجاج، ليعود حجاج هذا العام ويحدثونا عن الإنسانية في الشوارع والممرات، وفي المشاعر المقدسة، ولم يُخدَش أحدهم ولو بكلمة، لقد حدثونا عن السلالم الكهربائية والتنظيم والباصات، والتطبيقات الذكية والكرم الذي لا يوصف، وكيف اُحتُرمت إنسانيهم على كل شبر من أرض مكة الطاهرة، حتى جعلتنا نخلص لفضلهم الذي لن نجاريه، لأن ديدنهم في العمل كان: ما دام حجاج بيت الله الحرام بخير، نحن بخير.
سيبقى أهلنا في السعودية، وجعُهم ما أصاب غيرهم لا ما أصابهم، ستبقى بلد العطاء والإنسانية دون حساب، وبلد الجهاد دون فضل ومنّة. من كرامتهم، وكرمهم، وإنسانيتهم. ستصمت كل الأصوات النشاز التي لا تريد أن ترى مملكة الإنسانية وهي منذ آلاف السنين تفتح قلوبها قبل شوارعها لاستقبال ملايين الحجاج.
إن كانت كندا لا تريد أن ترى كل هذه الإنسانية، فهل تدلنا على أين من الممكن أن نراها في أي بقعة من الأرض حتى نكون لها من الشاكرين؟! وإن لم ترها إلا في مكة، ألم يحن وقت الاعتذار بعد.