أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في يناير الماضي أنها لن تصرف إلا 60 مليون دولار من أصل مساهمتها السنوية المقدمة إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) والبالغة 300 مليون دولار، وأنها ستعلّق ما تبقى من المساعدات للنظر فيها. ويُعتبر هذا القرار مؤثرا بشكل خاص نظرا لأن الولايات المتحدة لطالما كانت الدولة المانحة الفردية الأكبر للوكالة. ففي عام 2017 على سبيل المثال، ناهزت مساهمة الولايات المتحدة 365 مليون دولار، أي ما يُشكِّل حوالي ثلث ميزانية المنظمة. وعلى سبيل المقارنة، قدَّم ثاني أكبر مساهم - وهو الاتحاد الأوروبي - ما يقارب 143 مليون دولار.

وشكَّل قرار خفض الدعم الممنوح إلى «الأونروا» مفاجأة حقيقية. ففي حين غالبا ما واجه الدعم الأميركي إلى الوكالة بعض الانتقادات المحلية - خاصة من قبل بعض أعضاء الكونجرس – إلا أن الحكومة الأميركية حافظت على مرِّ السنين على دعمها للمنظمة، بقولها إنها تؤدي دورا يُرسي الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وفي أواخر عام 2017، طمأنت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، «الأونروا» بأن المساعدات الأميركية سوف تقدم قريبا.

وتشكّل فجائية قرار خفض المساعدات وتأثيرها المحتمل على قدرة «الأونروا» على مواصلة عملها مبعثا للقلق الشديد، نظرا إلى عمق الخدمات التي تقدمها المنظمة واتِّساع نطاقها. وإذ تأسست عام 1949، تقدِّم «الأونروا» حاليا خدماتها إلى أكثر من 5 ملايين «لاجئ فلسطيني» مسجَّل في 5 مناطق عمل هي: الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) وغزة والأردن ولبنان وسورية. وفي هذه المناطق، تقدِّم الوكالة خدمات اجتماعية رئيسية، حيث تقوم مدارسها بتعليم أكثر من نصف مليون طالب، في حين تعالج مرافقها الصحية أكثر من 8.8 ملايين مريض سنويا. وبالإضافة إلى هذه الخدمات الأساسية، توفِّر «الأونروا» أيضا مساعدات طارئة في أوقات الأزمات، في الوقت الذي تقدم فيه أيضا التمويل البالغ الصِّغر وبرامج أخرى لتعزيز الاعتماد على الذات في أوساط المستفيدين من خدماتها.

وفي حين أن قرار الولايات المتحدة بتعليق الدعم لوكالة «الأونروا» ربما حقق بعض النتائج الإيجابية، لا سيما التشجيع على تقاسم الأعباء بشكل أكثر إنصافا والإشارة إلى ضرورة إجراء إصلاحات في الوكالة، إلا أن هذه النتائج تبدو محدودة بالمقارنة مع الأثر السلبي الذي يخلِّفه القرار. فإجمالي التداعيات الإنسانية المترتبة على المستفيدين من خدمات «الأونروا»، والتأثير على الوضع الإنساني والأمني في غزة، والأثر المزعزع للاستقرار على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وخاصة الأردن، إضافة إلى عدم فعالية القرار في ممارسة ضغط دبلوماسي على السلطة الفلسطينية، جميعها عوامل تبرر بشدة معارضة هذه الخطوة.

وإذا ما قررت الولايات المتحدة في نهاية المطاف التراجُع عن هذا القرار أو بلورته ليصبح خفضا رسميا للمساعدات إلى «الأونروا»، فسيكون مؤشرا على ما إذا كانت الحكومة الأميركية تتمتع بالرغبة والمهارة للسعي إلى تحقيق هدفها المُعلن، المتمثل بتعزيز الاستقرار وتحقيق السلام في النهاية بين إسرائيل وفلسطين، أو ما إذا كانت الولايات المتحدة تنسحب بالفعل من هذا الصراع.

 *زميل أقدم في معهد واشنطن - شغل سابقا منصب المدير التنفيذي لفرقة العمل الأميركية المعنية بفلسطين– (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط) - الأميركي