يأتي إلينا العيد ويأتي معه الفرح، ورغم أنه رمز للسعادة والمتعة، إلا أن آلام الوجع تأبى إلا أن تزورنا في عز بحثنا عن الفرح في أيام، وهو الذي لا يزورنا إلا مرتين كل عام، فتختلط مشاعرنا بمزيج من الفرح، وشيء من الأسى الذي نحاول أن نخفيه وراء تهاني العيد مع بعضنا بعضا، الوجع الذي يكون مصدره غياب الراحلين الذين كان لهم في ساعات العيد معنا حضورٌ وبهجة، وفجأة رحلوا عنا بلا ميعاد، وخلّفوا لنا ألم رحيلهم، ووجع فقدهم، إلا أننا ورغم هذا الوجع، لا نتوقف عن البحث عن شرارات لنقدح خلالها شموعا مضيئة للفرح، نوقدها في نفوسنا، حينما نلتقي مع من هم حولنا ممن ألفنا وجودهم، ومع من نفتقدهم طوال العام، ثم يأتي بهم العيد حين يحضرون إلى الذاكرة، وإن كان لقاؤنا ببعضهم في العيد عبر وسائط التواصل الاجتماعي، إلا أن فرحة اللقيا بهم -ولو من وراء الحواجز الإلكترونية تلك- كفيلة بأن تحيي في القلوب تجديدا لأواصر المودة والمحبة لهم، لنستعيد شيئا من الذاكرة لسنوات خلت، كاد أن يمحوها غبار السنين، وتقدم العمر، ووهن الذاكرة، فكم في العيد تجسيد للمشاعر الصادقة بين الأحبة والأهل والإخوة والأصدقاء، المشاعر التي تحاول البحث في كل الاتجاهات عمن يبادلها العواطف الصادقة التي ترسمها كلمات الفرح «كل عام وأنت بخير»، لتجعل من العيد عيدا للبهجة والمحبة والسلام والأمن.
وهذا أجمل ما في العيد، أنه يعيننا على أن نجسّد المعاني الإنسانية في العلاقات الشخصية مع الآخرين، في صور من الفرح والحب والسلام، يتمناها كل شخص للآخر، كي ينمو الإحساس داخلنا تجاه بعضنا بعضا، حينما نؤمن بأن السعادة والفرح أمران مشتركان، يجب أن نراهما على كل محيّا، ويسكنان كل بيت، ويرسمان حياة كل شخص نعرفه أو لا نعرفه، وهذه هي المعاني الكبيرة للعيد، أيّا كان هذا العيد «عيد الفطر أم عيد الأضحى»، فالفارق لا يكون بينهما إلا في الطقوس الخاصة بكل عيد، إنما العيد هو العيد، بساعاته وأيامه ومعانيه، المعاني التي تُستمد من القيم الدينية، وتهدف إلى تعميق أواصر العلاقة، ووشائج الحب، وتعميق التآخي، وتجسير لحمة التواصل مع من يحملون الحب الحقيقي الصافي في قلوبهم، لا أولئك الذين يعشش السواد في قلوبهم، وقد ران عليها.
صحيح أن الأعياد في الأزمنة الأخيرة اختلفت عن الأعياد التي كانت في الماضي، وأصبح كثيرون يعيّدون خارج مناطقهم، وأصبح السفر هو الوسيلة التي يتنفس بعضهم أيام العيد عبرها، ويعبق بفرحتها مع أسرته الصغيرة بعيدا، خارج نطاق القيود العيدية التي كانت تحكم أعيادنا بالأمس، رغم جمالياتها، إلا أنه مهما اختلفت طقوس العيد، وتنوعت مباهجه، أو اختفى بعضها، فسيظل العيد عنوان الفرح، ونهر المحبة الذي تفيض من جنباته مشاعر الالتقاء، وصادق المودة بين الناس، أقارب وأصحابا، وكم قال المتنبي «هنيئا لك العيد الذي أنت عيده... وعيد لمن سمى وضحى وعيدا».
ولأن للعيد عنوانا كبيرا يختصر معاني تقوية الترابط والتواصل، فليس هناك ما هو أحق علينا من واجب يمليه حق الوصل في العيد، كواجب أن نتذكر جنودنا الأبطال، الذين لا يمكن لنا أن ننساهم، وهم على كل الثغور يرابطون في مواطن الرجولة والبطولة والإباء، خاصة في حدنا الجنوبي، إذ إنهم يذودون عن الوطن والمواطنين بكل تضحية وبسالة، ويتصدون لغدر المعتدين من الحوثيين أذناب إيران الذين لم يثمر معهم الجميل، ولم تمسكهم شيمة المعروف والجوار، عن أن يكافئونا بالغدر والخسة، وقد وضعوا أيديهم في أيدي ملالي العمائم الخمينية، وباعوا عروبتهم وباعوا وطنهم، فلجنودنا الأبطال نقول «كل عام وأنتم لأعيادنا أعيادا»، وتأكدوا أننا لم ولن ننساكم، فأنتم في قلوبنا في كل لحظة، كم نتمنى لو كنا معكم لنفوز بشرف الدفاع عن حمى الوطن مثلكم، لكن يبقى وقوفنا معكم وإلى جانبكم بالدعاء، هو الواجب الذي يجب ألا نتوقف عنه.
كما أننا لم ولن ننسى شهداءنا الأبطال الذين قضوا حياتهم في ميادين القتال، ونالوا بكل فخر الشهادة، فهم أحياء عند ربهم يرزقون، لن ننساهم من الدعاء، وسنظل نسأل الله، أن يجعل جزاءهم جنات عرضها كعرض السموات والأرض، فقد افتدوا الوطن والمواطن بأرواحهم التي حملوها على أكفهم، وساروا بكل شجاعة في مواجهة العدو الحوثي، مقبلين غير مدبرين، والعدو الحوثي نفسه ومن يقف خلفه، يعرفون كيف أن أبطالنا جنود الوطن، يسومونهم أشد أشكال العذاب، وكيف أنهم يلقّنونهم دروسا في كيف تُحمى الأوطان، وكيف تُفدى، وأن المملكة العربية السعودية دونها رجال يعشقون الموت دفاعا عن وطنهم، لا يبالون ما يلقونه في سبيل الذود عن أرض الحرمين الشريفين، وليس على بالهم، إلا نيل إحدى الحسنيين «إما الانتصار أو الشهادة»، فليعلم أصحاب العمائم في طهران ذلك.
لن ننساكم يا جنودنا وشهداءنا، والعيد يبسط أشرعة الفرح على جنبات حياتنا، من أقصاها إلى أقصاها، فأنتم ممن أضاء جنبات الوطن بالفرح الذي نعيشه، وبالأمن والاستقرار اللذين نحياهما، وبالخير الذي نعيشه، وكل ذلك بفضل الله وتوفيقه، ثم بفضل صمودكم وشجاعتكم وإقدامكم، وبفضل دمائكم الزكية التي تسقون بها أغلى ثرى، كي تبقى بيارق الوطن خفاقة عالية في سماه، ولا تلوّث أرضه أقدامُ عدو غادر خسيس.
فكل عام وأنتم يا جنودنا في كل الثغور، وعلى كل الحدود، بألف خير وصحة وسلام، تنعمون بالعز والسؤدد والشموخ الذي تصنعونه في ميادين الشرف والبطولة.