لكل شيء مفيد تكلفة لا يمكن تفاديها. على سبيل المثال، نجد أن السيارات قد سهلت الانتقال من مكان إلى آخر واختصرت علينا الكثير من الوقت والعناء، لكنها رغم ذلك تلتهم حياة الكثيرين وتصيب آخرين بالإعاقة، حوادثها خطيرة جداً، وتأثيرها على البيئة خطير أيضاً. رغم كل هذا لا يفكر البشر في التخلي عنها، لكنهم يعملون بكامل طاقاتهم لرفع مستوى الأمان وتطوير أنظمة المرور للحد من آثار الحوادث، كما يعملون بلا كلل على تقليص تأثيرها على البيئة عن طريق تقليل العوادم والبحث عن مصادر طاقة صديقة للبيئة. التطور التقني وخدمات الفضاء السيبراني كذلك، فوائده لم يعد بوسع العالم أن يعيش بدونها، ومخاطره حقيقية ولا مجال لتجنبها تماماً. كل متخصص منصف يعرف أن مشكلة الأمن السيبراني أنه تكلفة لا يمكن تفاديها نتيجة للتطور والرفاه التقني الذي يحيط بنا، كما أنه يعرف أن المخاطر ستكون أكثر في المستقبل القريب بسبب اندفاع العالم مع تطبيقات إنترنت الأشياء دون مراعاة لجانب الأمن. لذلك، لا تصدق _يا عزيزي_ أي شركة أو مستشار أو بائع لمنتجات الأمن السيبراني يدَّعي أن لديه حلا نهائيا يُؤمّن مؤسستك بالكامل، فكل الحلول ناقصة، ويمكننا فقط رفع مستوى الأمان. نعم، اتخاذ أسباب الوقاية من المخاطر السيبرانية مهم للغاية، ويجب أن تعمل كل الجهات المعنية بالفضاء السيبراني على توفير جميع الإمكانيات التي من شأنها توفير أكبر قدر ممكن من الحماية. لكن، الأمر الذي لا يقل أهمية هو أن نضع في اعتبارنا أن الأمن المطلق في هذا المجال وهم، ولا يمكن الوصول إليه. حتى ولو استخدمنا أفضل تشفير، واتبعنا أفضل الممارسات العالمية، وحصلنا على أفضل الكوادر الوطنية المؤهلة وطبقنا كل إجراءات الحماية، فمن السذاجة أن نعتقد بأن المعلومات التي نتداولها عبر الفضاء السيبراني آمنة تماماً.

الأمن السيبراني الكامل يُسعى إليه بكل الوسائل، ولكن لا يمكن الوصول إليه؛ فمهما بذلت من جهود سيبقى هناك ثغرات، وإمكانية الاختراق ستظل حاضرة. لذلك، يجب أن نتقبل أن الاختراقات الأمنية جزء من طبيعة الفضاء السيبراني ونضع خططنا على هذا الأساس، فهذا أكثر واقعية وفائدة من الحلم بالأمن الكامل. أخيراً، يتفق المتخصصون في هذا المجال الحيوي على أن أفضل مستويات الأمن السيبراني تحتاج التعاون الوثيق وتكامل الجهود بين المؤسسات الحكومية، القطاع الخاص، والمستخدمون الأفراد، كما أن مفتاح تحقيق أفضل ما يمكن الوصول إليه في مجال الأمن السيبراني يكون عبر تحقيق التوازن بين تحديث التقنيات المستخدمة والتدريب المستمر وتطوير الإجراءات. سيكون لنا مع هذه المواضيع وقفات مستقبلية بإذن الله.