يشير المفكر السياسي التركي وخبير العلاقات الدولية داود أوغلو بأن تركيا يجب عليها أن تلتفت إلى الشرق الأوسط وتلعب دورا إقليميا فاعلا من خلاله، وقد شدد في كتابه (العمق الإستراتيجي) على أهمية منطقة الشرق الأوسط وأهمية السيطرة عليها.
يترتب على هذه الفكرة أن تترجم إلى رسالة، ويجب أن تصل عن طريق وسائل (الاتصال الجماهيري) إلى شعوب المنطقة عن طريق دعاية سياسية يتم تصميمها بطريقة تجذب انتباه الجمهور العربي، وتستخدم فيها شتى أنواع الرموز والكلمات والمفاهيم التي تؤثر بشكل أسرع على المُستقبل والمشاهد، وتكون هذه الرسالة متسقة مع المرجعية القيمية للفرد العربي.
والدعاية السياسية هي شكل من أشكال الاتصال الجماهيري، والدعاية تحمل في أحشائها رسالة، وتحليل هذه الرسالة يدلنا غالبا على شخصية مصدرها ودوافعه والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، والهدف بطبيعة الحال هو استمالة الجماهير العربية وتوجيه سلوكها بأي ثمن.
يرتبط نجاح الاتصال في بعده الإعلامي على النجاح في اختيار الوسطاء، ومهمة الوسطاء هي إيصال الرسالة إلى العالم العربي نيابة عن الحكومة التركية، ويجب أن يحمل هؤلاء الوسطاء ثقافة المجتمع المستهدف ويتكلمون بلغته، إضافة إلى أن هؤلاء الوسطاء يحظون بثقة الجماهير العمياء، ويعرفون جيدا أفضل القنوات التواصلية التي سيتم توصيل الرسالة من خلالها.
وقنوات التواصل التي ستحمل الرسالة لها أشكال عدة، ستكون عن طريق الخطب والمحاضرات والندوات أو البرامج الفضائية أو عبر وسائل التواصل الإعلامي، وعن طريق هذه القنوات سيتم خلق دعاية منظمة مبنية على منهجية معينة، وعن طريق الإيحاء وغيره من الأساليب النفسية ستعمل على تغيير اتجاهات الجماهير وأفكارهم وقيمهم.
كانت الدعاية للحزب الحاكم في تركيا ملحوظة للجميع في أغلب وسائل التواصل، فهو الحزب الذي يريد أن يحرر الشعب التركي من سطوة العلمانية القاسية ويستبدلها بعلمانية ناعمة متسامحة، ويطبق بشكل تدريجي الشريعة الإسلامية، والتدرج في تطبيق الشريعة فرضته الظروف التاريخية.
وبسبب رغبة الحزب الحاكم في تطبيق الشريعة «كما يصور لنا» فإن كل دول العالم ستقف ضد هذا المشروع، وهذا يفسر لنا تراقص العرب في شوارع إسطنبول فرحا بفشل الانقلاب على الحكومة التركية. فهم يعتقدون بأن محاولة الانقلاب ليست في الحقيقة إلا رغبة في إيقاف مشروع التدرج في تطبيق الشريعة.
تمر السنين ويزداد نفوذ الحزب وتتوسع صلاحياته، ولكن لا يوجد أي أثر للتطبيق المتدرج للشريعة كما أوهمنا الوسطاء، ومع كل هذا فإن عدد السياح العرب ما زال في ازدياد رغبة في مناصرة تركيا، فبعض العرب يعتقد بأنه حين يقوم بتأييد السياحة التركية فإنه يدعم مشروع التطبيق المتدرج للشريعة، ويسهم في ازدهار الاقتصاد التركي حتى يقف على قدميه.
تنتشر في وسائل التواصل مقاطع فيديو للرئيس التركي وخطبه الرنانة التي تخرج إخراجا فنيا بالموسيقى الحماسية والأضواء وممزوجة بصياح الجماهير، مع بقية مشاهد الفيديو والصور التي تصور حزب العدالة والتنمية بصورة المنافح عن القضية الفلسطينية والحريص على قضايا الأمة الإسلامية، وتنشر بين الجماهير مترجمة بالعربية.
مثل هذه الرسائل غير المكلفة، لا سياسيا ولا اقتصاديا، ومع ما تنطوي عليه من كذب وخداع تعد سلاحا مؤثرا وفعالا وكانت لها نتائجها المؤثرة على المتلقي العربي، فهذه الدعاية السياسية المنظمة انعكست نتائجها على السياحة والعقار في تركيا، فضحايا هذه الدعاية شدوا الرحال نحو إسطنبول فرادى وجماعات ظنا منهم بأنهم يقدمون خدمات جليلة للإسلام، فخدمة الاقتصاد التركي وخدمة الإسلام أصبحتا وجهين لعملة واحدة.