انصرمت ثمانون دقيقة من المباراة المصيرية التي يخوضها الفريق على أرضه وبين جماهيره الغفيرة، والفريق ما زال خاسرا، ويحتاج إلى هدفين على الأقل للظفر بنتيجة المباراة، وإلا غادر الموسم بكامله صفر اليدين.
ومع حلول الدقائق العشر الأخيرة، ازداد هتاف الجماهير وتشجيعهم لبث الحماس في نفوس اللاعبين، على أمل أن يأتي الهدف في أي لحظة، وهو قد يأتي فعلا، وحتما سيأتي بعده هدف آخر، لأن الروح المعنوية للفريق ستكون في أوجها، فيما سينهار الفريق الآخر ويفقد كثيرا من عزيمته، وقد يتبع ذلك فوز الفريق في جميع المباريات وحصوله على الكأس، هذا أمر ممكن جدا.
لذلك، استنفر الفريق بكل خطوطه لتعديل النتيجة، ورمى المدرب جميع أوراقه الهجومية لاستثمار ما تبقى من وقت.
أما الفريق الخصم، فقد تفنن لاعبوه في تضييع الوقت بالطرق القانونية وغير القانونية، فتارة يتظاهر أحدهم بالإصابة، وتارة يشتتون الكرة بطريقة مستفزة، وتارة يحتجون على الحكم، وتارة ينظمون هجمة معاكسة سريعة تربك الفريق، وتجبره على التراجع إلى الخلف، خوفا من هدف آخر يصيبه في مقتل.
ومع مرور الدقائق السريعة جدا على الفريق الخاسر، الثقيلة جدا على الخصم، كانت الضغوط والمتاعب تزداد، لكن الخصم لم يكن مطمئنا تماما لنتيجة المباراة، فهو يخشى أن يلج مرماه هدف قاتل في أي لحظة يبعثر أوراقه، ويربك حساباته، فهو لن يهدأ له بال حتى يسمع صافرة النهاية.
على الجانب الآخر، لم يحضر المباراة أحدهم، لأنه كان مشغولا بتسجيل هدفه الخاص، كان لديه عشر ليال لينجز مهمته، وكان يدعمه لتحقيق هدفه صحته الجيدة وعقله الصحيح، وعقيدته السليمة ونيته الطيبة، ووقته العامر وشبابه الناضر، وهو مجتهد في تحقيق غايته، رغم أنه لا يعلم متى يتحقق هدفه، لكنه يدرك أنه بعد أن يتحقق الهدف الأول، ستنهمر بقية الأهداف تباعا، وربما يذهب بعيدا، ويفوز بأكثر مما سيفوز به ذلك الفريق.
فعندما يرضى الله تصبح الحياة أجمل وأسهل وأسعد، والسعادة والجمال واليسر من الأهداف الكبرى للإنسان، منذ أن وطئت قدماه الأرض، والمؤمن وهو يشمّر عن ساعديه لاستثمار عشر ليال -تكاد تكون في عمر زمننا المتسارع عشر دقائق- لا يعلم أي عمل سيكتب له الخلود الأبدي، فقد تكون سجدة واحدة انخلع فيها قلبه لثوان فقط وهو يناجي ربه، أو تكون دمعة سبحت فيها روحه، أو تكون كلمة طيبة نطق بها لسانه وأصاخت السماء لسماعها، أو ريالا دسه في يد فقير يحسبه الجاهل غنيا من التعفف، أو أذى أماطه عن الطريق الذي يؤدي إلى بيته، أو ابتسامة أهداها لموجوع أو مفجوع أو مهموم، أو لمسة حانية على رأس طفل بائس، بينما يتفنن شياطين الإنس والجن في تشتيت انتباهه وبعثرة جهده، وتضييع وقته وإشغاله عن تحقيق هدفه بكل السبل والطرق، ولن يكل أو يمل أو يتوقف عن ذلك حتى تنتهي هذه الأيام العظيمة، أو حتى ينتهي العمر بكامله.
وكما أن الفريق الخاسر تمر عليه لحظات عصيبة يشعر فيها أنه قد خسر كل شيء، وأن الأمور أصبحت معقدة، ويدب الوهن واليأس في نفوس لاعبي الفريق وجمهورهم، حتى يتحول اللاعبون الذين أشغلوا الدنيا بمهاراتهم إلى أشباح في الملعب، ويتحول هدير الجماهير الغفيرة إلى صمت رهيب، فإن المؤمن تمر به هذه اللحظات، فيشعر أنه عاجز عن اللحاق بالركب، وأنه أقل من أن يكون من الفائزين باغتنام هذه الأيام المباركات، فتتسرب اللحظات من بين يديه، دون أن يكلف نفسه عناء محاولة الإمساك بها، بل يكتفي بالفرجة والحسرة، غير أن هذه اللحظات لا تدوم، إذ يلوح له في طريقه الطويل ومضة من خير، أو قبس من نور، تذكره أنه ما زال بخير، وما زال يمتلك كثيرا، تماما كالفريق الذي تخور قواه، ويعجز عتاولة مهاجميه وصنّاع لعبه عن اختراق حواجز الخصم، فيندفع مدافع الفريق المغمور إلى الأمام، ويحرز هدفا مفاجئا، فتتغير حالة الفريق بالكامل، ويتحول لاعبوه الأشباح إلى ماكينات ألمانية تحرث الملعب في عزيمة وثبات، فيتحول اليأس إلى أمل، والوهن إلى قوة، والعجز إلى إرادة، وهو ما يحدث لأحدنا عندما يوفقه الله لعمل صالح، وفعل خير، يوقظ روح الحياة في أعماقه، فيتبارك وقته وعمله، حتى لو كان الوقت المتبقي سويعات أو دقائق، فمهما مر عليك من العشر من أوقات لم تحيها بالعبادة، فإنه دائما ما زال لديك الوقت، ومهما ظننت أن الآخرين قطعوا خطوات هائلة وأنت في مكانك، فإنه دائما لديك الفرصة للحاق بهم.
تذكر دائما أن الأعمال لا تقاس بكثرتها، بل بصدقها وإخلاص النية فيها، تذكر أن دمعة واحدة تسبَح فيها روحك قد تكون ضفافها الجنة.