دأب بعض الكتاب العرب والإسلاميين عند تناولهم قضية فلسطين، على أسلوب التمجيد والحماس والجهاد، وإثارة العاطفة في نفوس الناس.
وهذا الأسلوب هو أقرب إلى أسلوب الشعر والخطابة منه إلى الموضوعية والأسلوب العلمي.
وبالتالي، فإن أي منهجية تعتمد على النقد والعقلانية وإبراز الحقائق بأسلوب علمي فلا بد أن يكون صاحب هذا المنهج من الخونة، ومن عملاء الصهيونية!
منذ عام 1948، طغى الخطاب الديني على قضية فلسطين، فكان الصراع مع إسرائيل يدار من منظور ديني، وكانت الدعوة تنبع من المساجد، واستخدمت النصوص الدينية التي تحث على الجهاد في سبيل الله، وكانت الشعارات آنذاك تتمثل في أن قضية فلسطين ليست قضية الأمة العربية وحدها، ولكن قضية الإسلام وأهل الإسلام جميعا، بعدها تراجع الخطاب الديني، وحل محله الخطاب القومي العربي، وكان الشعار أن القومية العربية هي الحل، وهي «الدرع وطريق التحرر للوطن العربي، فإسرائيل مؤامرة ضد وحدة العرب وقوميتهم»، وبعد هزيمة يونيو 1967، تراجع الخطاب القومي وعاد الخطاب الديني من جديد، واعتبرت قضية فلسطين قضية دينية حتى وقتنا الحاضر، وأصبحت الشعارات تتمثل في أن قضية فلسطين قضية إسلامية، وجزء لا يتجزأ من الدين، ومن فرّط في دينه خسر الدنيا والآخرة.
وسواء كان التعامل مع القضية الفلسطينية والصراع مع الكيان الصهيوني من منظور ديني أو قومي، فقد تم استغلال عاطفة المجتمعات العربية والإسلامية في تحقيق أهداف بعيدة جدا عن جوهر القضية الفلسطينية، وكان الخاسر الأكبر من هذه الأيديولوجيات هو الشعب الفلسطيني، ولأن الخطاب الديني هو السائد اليوم، فسيتم النقاش حول هذا الخطاب، وكيف تم استغلال الدين بشكل سلبي وكشعارات فقط في تحقيق أهداف ومصالح شخصية وأهداف ذاتية بحتة، استفاد منها الكيان الصهيوني في تحقيق أهداف سياسية خسرها العرب في صراعهم مع إسرائيل.
في عام 1987، تأسست ما تسمى الحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، باعتبارها حركة مقاومة مسلحة إسلامية للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، إضافة إلى حزب الله في إيران، هذه المنظمات أنشأت تحالفا مع إيران وشعارها «الدين كأساس لمحاربة إسرائيل»، ولكن حقيقة هذه المنظمات هي مقاومة الشعب الفلسطيني وليس الكيان الصهيوني.
فإيران حكومة دينية تحافظ على ديمومتها خلال السعي دوما إلى إشعال نار الحروب والقتال، وخلق أعداء وهميين في عملية تمويه واسعة والتفاف على الدين، فكما رأينا حرب إيران مع العراق وإدامتها عدة سنوات، وذلك لأن القرآن الكريم يقول: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ»، بغض النظر عن مصلحة الشعب الإيراني، وها هم اليوم يشعلون الحروب في العراق وسورية ولبنان واليمن، تحت ستار الحرب مع أميركا وإسرائيل، وذلك باسم الدين لتخدير الشعب الإيراني.
فكلما تواجه إيران أية ضغوط دولية أو عقوبات، تقوم باستغلال أتباعها في غزة
واليمن ولبنان وغيرها، فيقوم حزب الله بعمليات إرهابية، وتتحرك منظمة حماس أيضا تحت ستار المقاومة والجهاد، وذلك لتحقيق الأهداف الإيرانية وتحريك الفتن، وإجهاض بعض القرارات أو المبادرات السياسية لحماية النظام الإيراني، ويتم ذلك كله باسم الإسلام.
قد يقول قائل، إن «استغلال الدين في النزاع ليس مقتصرا على العرب فقط، فالإسرائيليون أيضا استغلوا الدين في تبرير احتلالهم وجرائمهم في فلسطين»، وهذا الكلام صحيح، وأضيف عليه أن الكيان الصهيوني يعتمد على البعد الأيديولوجي للدين المتعصب والعنصري والمتطرف في التوسع الاستيطاني في فلسطين، فعامة الناس ينظرون إلى الدعوة إلى قيم حقوق الإنسان على أنها تحاول تحويل إسرائيل إلى شعب ككل الأميين والأغيار، ويجب محاربة الذين يدعون إلى مثل هذه القيم من العلمانيين والليبراليين، إضافة إلى أن الفلسطينيين يقيمون وسط «شعب إسرائيل» في نظرهم، ويجب التخلص منهم فورا، سواء كانوا من مواطني الدولة أو من سكان المناطق المحتلة، مع ضرورة تطبيق الشريعة اليهودية.
وعلى هذا الأساس، استغل القادة الصهاينة العاطفة الدينية، لتحقيق مكاسب دولية تصب في مصلحة اليهود والدفاع عن حقوقهم، ولا يريدون انفصالا تاما عن شعبهم، فيقف الفرد عندهم مع كامل حقوقه ومصالحه في مركز الدولة، والتعصب الديني لا يشكل عاملا مزعجا للسياسيين طالما هو محدود في نطاق المستوطنات، كما أنه يحقق أيضا نظريا وعمليا امتلاك معظم أراضي الوطن في نظرهم، فضلا عن أن عامل الدين له أهمية نسبية في عملية الانتخابات السياسية، مع التركيز على إفساح المجال لجميع القوى والتيارات السياسية.
وبناءً على ما سبق، استغل الكيان الصهيوني أخطاء العرب والمسلمين في إدارة النزاع، وجعلها تصب في مصلحته دبلوماسيا وسياسيا وعسكريا، والنتيجة كانت ضياع حقوق الشعب الفلسطيني، فغالبية المجتمعات العربية والإسلامية لا تفكر في كيف يعيش الإنسان الفلسطيني داخل وطنه أو خارجه، بقدر ما تفكر في الأماكن المقدسة وتطبيق الشريعة. فمن يدافع عن حقوق الفلسطينيين؟