انطلقت فعالية «هاكثون الحج» الوطنية كمسابقة دولية اشترك فيها 2950 مشاركا يمثلون أكثر من 100 دولة من دول العالم المختلفة، تحت مظلة الوطن وبرعايته. وقد تمكن الهاكثون من كسر الرقم القياسي في موسوعة جينيس لأكبر عدد من المطورين والمشاركين في العالم في هاكثون واحد، إذ سجل الرقم القياسي السابق 2577 مشاركا سُجل باسم الهند، وقد أضاف موضوع الهاكثون ومحوره المستهدف حول الحج وخدماته، بُعدا مهما وتوجها مميزا نحو الزخم المصاحب للمشاركة فيه، لابتكار حلول تقنية تُسهل جميع ما يتصل بخدمات الحج، في: الغذاء والصحة والمالية والمواصلات وإدارة الحشود والمرور والإقامة والسفر والتواصل.
ولضمان جودته تم تحديد بنيته البشرية، بتوزيع هيكلي يتضمن فريق عمل يتشكل من 3-5 أشخاص، منهم المبرمج والمصمم والقائد.
ويعدّ هاكثون الحج إنجازا وطنيا مشرّفا بكل المعايير، ليس لأنه يجسد فقط حجم الجهود الوطنية والأموال الطائلة، التي تنفق بسخاء على مشاريع الحج وخدمة الحجيج على مدى سنوات طويلة، بدأت منذ أن تشرّف الوطن برعاية الحج والحرمين الشريفين، وإنما تتمحور أهميته في جوانب عدة، يمكن تحديدها في نقاط موجزة:
-1 تطوير آلية إدارة شؤون الحج، بتقنية حديثة تسهم في خدمة الحجيج وتيسير أدائهم للمناسك، وتخدم القائمين على إدارة الحج بجميع قطاعاته، وبما يسهم في انسيابية أداء تلك الشعيرة الدينية، بمختلف ما تتضمنه من تحديات كبيرة، سواء في ذلك العدد الهائل من الأنفس البشرية، أو تلك الجنسيات المختلفة اللغات والموطن والبيئات، لتتمكن جميعها من الاستفادة من تلك التقنيات في أداء مناسكهم، وفي تلك المساحة المحدودة، والأيام المعدودة التي يتجمع فيها الحجيج من شتى بقاع الأرض، وما يتبع ذلك جميعه من خدمات مختلفة، تتضمن الغذاء والسكن والنقل والعلاج والأمن وغيره...إلخ.
-2 تحقيق مشاركة دولية حيوية، في فعالية دينية مهمة يتطلع إلى أدائها مختلف مسلمي العالم، بما يسهم في الترجمة الفعلية لحجم الجهود الوطنية المبذولة للارتقاء بخدمة الحجيج، وبما يعزز التلاقح الفكري والاستفادة من مختلف الإبداعات والمشاركات العالمية، في مجال التطبيقات التقنية الحديثة وتسخيرها لخدمة أداء فريضة الحج، التي تشكل محورا مهما ومرتكزا أساسيا في السياسات الوطنية نحو خدمة الحرمين الشريفين ومتطلباتها.
-3 طرح نموذج وطني متقدم في مضمونه، وراق في أسلوبه، لتطوير الأعمال بصفة عامة وليس الحج فقط، بتيسير الخدمات المطلوبة لشرائح البشر كافة، على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والعلمية والمهنية، والذي لم يقتصر على الاهتمام بنوعية المنتج المشارِك فحسب، وإنما ارتقى كذلك إلى رسم آلية تنفيذه باحترافية علمية ومهنية، تضمنت تكوين فريق عمل متجانس ومتكامل لتحقيق المنتج، وذلك من شأنه دعم وتعزيز المشاركات الجماعية المطلوبة بين البشر، بما يخدم التفوق في نوعية المنتج وجودته، بتلاقح الأفكار وتعاون الإبداعات المتكاملة، التي يتولد عنها منتج مميز في إخراجه ومضمونه.
-4 تقديم نموذج وطني وإقليمي ودولي، لما يجب أن تكون عليه الفعاليات الاجتماعية والعلمية المختلفة، بما تضمنه من أهداف سامية تخدم الإنسانية، وتطلعات طموحة تستقطب خلالها العقول الفذة، بعيدا عن العنصرية والتمييز باختلافه، وبذلك تحفز التفكير الخلاق وتنشط الإبداع العلمي عند الشباب وغيرهم.
-5 تصحيح التوجهات السطحية والاهتمامات الفكرية الجوفاء للشباب، نحو المفيد من الأعمال والمثمر من الأفكار والإبداعات المنتجة، وتحفيزهم نحو الجدية والتشارك والتعاون في بذل مزيد من الجهود المنظمة والموجهة نحو الإنتاج العلمي بتطبيقاته المختلفة وتجاربه المتعددة، بما ينعكس خيره عليهم وعلى الوطن في منجزات تنموية شاملة.
ومن جهة أخرى، فإن فوز مواطنات سعوديات بالمركز الأول للهاكثون في منتج الترجمات دون الحاجة إلى الإنترنت، يُعدّ تتويجا لتمكين المرأة السعودية، ولتلك الفعالية بجميع ما تضمنته من جهود مبهرة، ليس لأن في ذلك انحيازا إلى الوطن والمواطنات، وإنما إلى مضمونه الأكبر والأهم، والذي يؤكد أن هذا الوطن المعطاء يحتضن كثيرا من المبدعين والمبدعات، وكثيرا من المواهب والقدرات الشابة التي تستحق أن يُحتفى بها في عرس وطني كبير، إذ مثلت مشاركة المواطنين في فعالية هاكثون الحج ثلثي نسبة المشاركين من مختلف دول العالم، وذلك في حد ذاته يعدّ توثيقا عمليا مبهج، لشريحة بسيطة من مقدرات الوطن البشرية التي قُدر لها المشاركة في ذلك العرس الوطني، وهم فئة مما يزخر به الوطن من المواطنين والمواطنات، المؤهلين علميا والمميزين بقدرات إبداعية يستحقون بها أن يجدوا أنفسهم في وظائف تستحقهم ويستحقونها، بما يمكّنهم من المشاركة في بناء السعودية الجديدة بتطلعاتها المأمولة.
ولعل من أهم ما يمكن أن نستلهمه من هاكثون الحج، هو الاستفادة من تلك التجربة الفريدة والسبّاقة في مضمونها وأهدافها، في تصحيح وتنويع مضمون فعالياتنا الثقافية والاجتماعية والإعلامية المختلفة في شتى القطاعات، وبما فيها المؤسسات التعليمية على اختلاف مستوياتها، بالمحاكاة الهيكلية والضمنية، والاهتمام الموجّه، والدعم المدروس، لهذا النوع من الفعاليات المفيدة والمحفزة للشباب ماديا ومعنويا ووطنيا، للارتقاء بقدراتهم وصقل مواهبهم، ودفعهم نحو الإنجاز المميز والتنافس الشريف في سباق العلم والفكر والإبداع الذي تتنافس فيه الأمم المتقدمة، فتحقق الإنجاز والتقدم لأوطانها وشعوبها.