صراع الليبراليين والإسلاميين أو صراخهم عبر الفضاءات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، ليس له انعكاس على واقع المجتمع السعودي، ولله الحمد والمنة.
يعتقد الليبراليون أن المجتمع السعودي سطحي وضحل الثقافة، وأنه كان يُقاد بواسطة من يُسمّون بالدعاة على مدى العقود الماضية، وأنه حان الوقت ليتولى الليبراليون قيادته. يفترضون أن المجتمع ينتظر من يقوده وسيطاوعه في السير في هذا الاتجاه أو ذاك.
كذلك يعتقد بعض الإسلاميين أنهم كانوا يسيطرون على المجتمع السعودي ويوجهونه حيث يريدون، لأنهم يجدون حولهم أعدادا من الأتباع الذين يعدّون كثرة في نظر الفرد «ربما يصلون إلى المئات»، لكنهم لا يمثلون شيئا بالنسبة للشعب السعودي الذي يزيد على الـ20 مليونا. نسبة ضئيلة جدا كانوا وربما لا يزالون يتبعون هذا الداعية أو ذاك، لكن لا يمكن لعاقل أن يقول إن الجميع كانوا يتبعون أحدا.
الرموز الإسلاموية والليبرالية تشبه القائد المعجب بنفسه، الذي رأى جمعا من الناس يسيرون، فقفز أمامهم دون تفويض منهم وأخذ يوجههم، فاقترب منه بعضهم وأخذوا يبجلونه ويخدمونه، فاعتقد أنه يُسَيِّر الجميع بآرائه وأطروحاته، ولم يفق من الوهم إلا عند المنعطف الأخير.
نعم، يفترضون أننا بلا قيم ولا وعي ولا قدرة على فرز الغث من السمين، مثلنا -كمجتمع- في نظرهم كمثل الأعمى المخبول الذي يسير خلف كل من أمسك بيده، وهذا افتراض لا يوجد أبعد منه عن الواقع. السعوديون يا سادة لا يتبعون من أهل الشعارات أحدا بعينه، يفهمون الدين ببساطة، ويؤدون شعائر الإسلام بدوافع ذاتيه وإيمان عميق، بأنهم يتقربون بهذه العبادات إلى الله، وينبذون التشدد بطبيعتهم، ويتقبلون الآراء والتقنيات الحديثة بشغف، وأقرب من يمثلهم قيادتهم السياسية، المتمثلة في الملك وولي العهد.
لم ينجرفوا وراء شعارات الكتلة الشرقية، ولا تستهويهم شعارات الغرب، مقتنعين بأنهم مميزون، ولا يحتاجون إلى تقليد أحد في مجالات القيم والمبادئ والأخلاقيات، مجتمع طبيعي كأي مجتمع آخر، فيه أفراد ينحرفون إلى أقصى اليسار، وآخرون ينحرفون لأقصى اليمين، لكن الغالبية العظمى من هذا المجتمع النبيل وسطيون، يكرهون انحلال الليبراليين كما يكرهون تشدد الدعاة الجدد والحزبيين. يحبون الحياة ويرغبون في أن يعيشوها بطريقتهم الخاصة، ويطمحون في رؤية بلادهم رائدة في كل المجالات.
الشعب السعودي واع متسامح ومتوازن في علاقاته، ولا أجد أبلغ وصف له من قول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز «تسعى بلادكم إلى تطوير حاضرھا وبناء مستقبلھا، والمضي قدما على طريق التنمية والتحديث والتطوير المستمر، بما لا يتعارض مع ثوابتھا، متمسكين بالوسطية سبيلا، والاعتدال نھجا، كما أمرنا الله بذلك، معتزين بقيمنا وثوابتنا، ورسالتنا للجميع أنه لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالا، ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أھدافه، ولا مكان لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال واستغلال يسر الدين لتحقيق أھدافه، وسنحاسب كل من يتجاوز ذلك، فنحن -إن شاء الله- حماة الدين، وقد شرّفنا الله بخدمة الإسلام والمسلمين».