الوزارة عبء ثقيل، ومهمة خطيرة، تعتمد عليها البلاد ويقوم بها أمر العباد، ولا يتصدى لها إلا الأَكفاء من الناس، على المستوى العلمي والسلوكي والنفسي.
فالوزير ممثل الملك الأول في شؤون وزارته ومهامها وأشغالها، وهو القائم بمهمتي الوزارة: أولاهما التفويض: حينما يفوضه ولي الأمر في مهام معينة تاركا له حرية الاجتهاد في تطبيقها، ورسم خطوطها العريضة، وتكليف من يراه أهلا لتنفيذها. والثانية التنفيذ: حينما يُكلف بتنفيذ مهام أخرى حسبما يرسم ولي الأمر نفسه، ويخطط تماشيا مع مصلحة الدولة العليا. والوزير حينما يتولى الوزارة يحتاج -في أهم ضروريات ما يحتاج إليه- إلى التآلف مع أجزاء وزارته ومعاونيه وكل موظفيه، ثم التعرف بعمق على معضلات وزارته الكبرى.
والوزير غالبا يأتي إلى تركة ثقيلة مُنهِكة بمشاكل لاحدَّ لها، تلهي وتصد عن العمل العميق والأثر الباقي، ليظل في مصارعة المعضلات حتى يغادر كرسيه بلا إنجاز يذكر.
ومن أعقد ما يواجه الوزير، كونه عضوا في مجلس على رأسه الملك، مما يعني أن يكون مسؤولا عن كل قرار يتخذه المجلس، ويقره الملك، بصرف النظر عما إذا كان القرار يتعلق بشؤون هذه الوزارة أو تلك.
وعلى هذا، فإن انسجام الوزراء تُعوَّل عليه أهمية كبرى وإلا تعثر العمل وساءت النتائج، وهو الأمر الذي يتطلب أن يكون مستوى التنسيق مع زملائه الوزراء الآخرين قائما على أساس متين من المرونة والتعاون والشفافية والسرعة الفائقة.
ومن نعم الله تعالى على الوزراء، في عهد خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- تلك الجهود فائقة الأثر عميقة النتائج التي يقوم بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وعلى رأسها رؤية 2030، والتي ستسهل على الوزراء والوزارات أعمالهم، إذ إن رؤية 2030 أصبحت بمثابة وزارة الوزارات أو العمل المؤسسي الجامع لمهام وأعمال وخطط الوزارات كلها، والتي عنيت بالمقام الأول بتفعيل دور الوزارة التنفيذي، وعمل قنوات تنسيق رفيعة المستوى بين الوزارات لتقديم عمل متقن عالي الجودة، عالي الأداء.
وهنا، لا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة ومحورية، حين الحديث عن مهمة الوزير في الدولة، وهي الخلط الكبير بين الوزير المختص بمجال عمل وزارته فنيا أو أكاديميا «تكنوقراطيا»، والوزير السياسي أي غير المختص، والذي يعمل بخبراته كرجل دولة وسياسة في المقام الأول، ثم رجل إدارة ثانيا.
فالوزير الذي يتوقع له النجاح في توظيف رؤية البلد الطموحة 2030، هو سياسيٌ أولا، وليس تكنوقراطيا فقط، أو هو سياسي يستعين بالتكنوقراط، والوزير السياسي هو الذي يعرف مشاكل البلد وتداخلات هذه المشاكل مع بعضها وتقاطعاتها، ويعرف كيف تكون مواجهتها وحلها، إذ إن العمل في هذه المرحلة الدقيقة يحتاج إلى السياسي الخبير الجريء الذي يعرف كيف يستشير، ويأخذ الإذن دون أن تتعطل محركاته النفاثة، ولا يحتاج إلى التكنوقراط المختصين في أمر واحد فقط، هو شأن وزاراتهم فحسب، ولا يعني هذا عدم الإفادة من هؤلاء، بل يمكن أن يكونوا نُوابا للوزراء أو مساعدين أو مستشارين.
فالوزير السياسي هو الوزير القادر على إحداث التغيير الجذري في زمن وجيز، ويقوم بالحفر على جذور وزارته وعملها ومهامها، على طريقة الأمير محمد بن سلمان، الذي يعمد إلى النظر والعمل في جوهر المشكلة، وليست أعراضها فحسب، ويعالج الخلل العميق أولا حتى يضمن بهاء الأوراق والثمار والفروع متى ما طابت الجذور وأخصبت التربة، إذ إن بعض الوزارات وصلت في فترة من الفترات إلى حالة من الغياب التام، على الرغم من أن أدوات النجاح وظروفه كانت موجودة دائما، ولكنها كانت تفتقد الربان الماهر الذي يقود السفينة بذكائه وهمَّه وروحه، ثم بتوظيف هذه الأدوات التي من أهمها الاستعانة الحاذقة بالمختصين في مجالاتهم، والاستفادة بذكاء من القرار السياسي، واستغلاله إلى أقصى درجة ممكنة حين التنفيذ والعمل، لما فيه مصلحة الوطن، والمؤسسة الحكومية التي يقودها صاحب المعالي الوزير.
لذا، يتوجب على الوزير في زمن الرؤية 2030، العمل الجاد المخطط له بدقة واحترافية لا تدع مجالا للصدف، فإمكان الأداء والحصول على نتائج خالية تماما من نسبة الخطأ، ممكن في ظل وجود الرجل المناسب في المكان المناسب، إذ إن مصدر الخطأ في الأعمال والنتائج يأتي من العامل البشري ومدى تنفيذه للخطط، وتطبيقه للنظريات.