في مدرستي الصغيرة التي تقع في منطقة نائية في بلادي تكاد تختفي الأسماء العربية تدريجيا، لتحل محلها أسماء أجنبية بحتة، بل تكاد تختفي أسماء خالدة عبر التاريخ مثل: أسماء وخديجة وعائشة وحفصة وصفية وتماضر وخولة وأروى ونائلة وسمية وأمامة وسكينة وحليمة وهند وآمنة وهالة، وحتى لو كان هناك من يسمي بالأسماء العربية فإن الاسم يكون تيمنا باسم شخصية فنية غير عربية، تم تسميتها باسم عربي مع الدبلجة، فإن الاسم العربي حينها جميلا ومستساغا ومستطابا، والتسمي به من دواعي الفخر والتحضر!

وخص بذلك أسماء البنات، فظهور أسماء عربية جميلة في هذا الجيل مثل لميس وسمر ومراد ومهند ويحيى وحتى فاطمة، لم يكن حبا للاسم ذاته، أو تيمنا بأشهر الشخصيات التي حملت هذا الاسم، مثل فاطمة الزهراء ويحيى عليه السلام ولميس العربية التي تكرر اسمها في أشعار العرب، وإنما كان نتيجة إعجاب الأم - غالبا- أو الأب، أو كلاهما، بالشخصيات التلفزيونية التي تسمت بهذا الاسم.

اختيار اسم الطفل هو حق مشروع للوالدين، ومن حقهما تسمية طفلهما بالاسم الذي يروق لهما، لكن أتحدث عن ظاهرة الإعجاب بكل ما هو دخيل علينا، والفتنة بكل ما هو أجنبي، فعن نفسي أعتبر ظهور أسماء أجنبية في مدارس نائية وصغيرة كمدارسنا، وفي مجتمعات ريفية كمجتمعي، هو أمر مثير للتأمل فعلا.

في مجتمعي الصغير تظهر أسماء أجنبية وتزحف حتى تكاد تطمس بقية الأسماء، فيظهر اسم ليندا ونرمين وجوليا ولتين وليا وآيلا وسيلا وألين ولورا وميلا وإيلان وريناد ولانا وريماس وريناس ورودينا وراما ومايا وريتال ولمار ويارا ودارين وميرال وروز.

ويندر أن يتكرر الاسم نظرا لحرص الوالدين على منح طفلتهما اسما مميزا عن بقية أسماء الأهل والمعارف، حتى لو اضطرهم الأمر لتغيير حرف من الاسم المتداول ليصبح اسما جديدا، أو وضع حرف مكان حرف، فيصبح أسيل سيلا، وريناد ريناس، وردينة رودينا، وتالا تالين، إن حرص الوالدين على تميز الطفل عن بقية الأقران هو أمر جميل بحد ذاته، ويدل على حبهما له وحرصهما عليه، لكن ذلك يجر خلفه سؤالين:

هل حرصنا أيضا - مع التميز في الأسماء - على أن نميز بناتنا أيضا على مستوى العلم والتعلم والعقل والفكر والتربية وأسلوب الحياة والعيش الكريم؟!

والسؤال الآخر، لماذا البنات تحديدا من نحرص على تميز أسمائهن دون الأولاد، فعلى مدى عقود طويلة احتفظ أولادنا بالأسماء التقليدية وحتى مع التغيير لم تخرج الأسماء عن الأسماء العربية الأصيلة كعمر وعمار وعدي وقصي وإياد وياسر، ولم أسمع - بعد - بطفل سعودي معنى اسمه ضوء القمر أو حمرة الشفق أو جموح الخيل، (المعنى ليس في اللغة العربية، لكن الأرمنية أو التركية أو البابلية أو السومرية). كما يحدث عندما تسأل أحدهم عن اسم ابنته الغريب فيعطيك مثل هذه الإجابات، فهل هذا لأننا نحب بناتنا أكثر من الذكور، فنتفنن في اختيار اسم البنت، ونظل لأيام وأسابيع نبحث في الكتب وفي جوجل عن أسماء جديدة وغريبة لم يسبقنا إليها أحد من العالمين، بينما نسمي الولد بأول اسم يخطر على بالنا، أو يكون اسمه معدا سلفا تيمنا بالجد والعم والخال والصديق!؟ أم لأننا نثق أن الولد سيكون مميزا مهما كان اسمه، أما البنت فيلزمها اسم مميز!

وأي من هذين التفسيرين ينطبق على حالة أبوسعد عندما رزقه الله بطفلين توأمين سمى الولد على الفور صويلح على اسم عمه، بينما سمى البنت بعد أسبوع من التفكير والبحث والتمحيص والتدقيق والاستشارة والاستخارة: صوفيا!!