في عصرنا الحالي يرتكب الأشخاص كل يوم الكثير من كبائر وصغائر الذنوب، فالذنب أصبح هينا على البعض، والمجاهرة به بكبسة زر أضحت من دواعي التفاخر. ففي هذا المساق قال ابن القيم:

‎ما أغلق الله على عبد بابا بحكمته إلا فتح له بابين برحمته.

فما أجمل أن يكون وسط زحام الآثام سببا لمصاحبتك رسول الله عليه الصلاة والسلام في الجنة، وأقصد في هذا الشأن تبني أو احتضان اليتامى. في مقال سابق لي وضحت من خلاله أن «عملية احتضان الطفل لها وجهان إما (الأسر الصديقة) وهي الأسر التي تأخذ الطفل من الجمعية أو الملجأ لفترة محددة في فترات محددة كالأعياد والإجازات، أو الوجه الآخر وهو (الأسر البديلة)، وهي الأسرة التي تحتضن الطفل ضمن أفراد العائلة كفرد أساس وجزء من هذه العائلة، حيث تقوم على مأكله ومشربه وتعليمه وتربيته. إلا أن أغلب الأشخاص يلجؤون إلى الخيار الثالث، وهو أضعف وأسوأ الخيارات بنظري وهو (الكفالة المالية) وعلى الأغلب 300 ريال فقط لا غير».

لن أناقش تبعات الأسر الصديقة أو التكفل المادي إنما سأكتفي اليوم بطرح أبعاد احتضان الطفل من قبل الأسر البديلة. إن أولى العقبات التي تواجهها الأسرة التي تفكر في الاحتضان هي رأي المجتمع القريب (الأهل) ونظرة المجتمع البعيد، فقد يكون أقوى سبب لعدم موافقة الأهل على دخول فرد جديد إلى جنبات العائلة مع عدم وجود صلة قرابة مما يحرم كشف النساء أو الرجال عليه/ها. وتبرز إحدى الصعوبات في رضاعة الطفل من قبل الأم الحاضنة أو في إيجاد مرضعة من الأقرباء. وفي حال وفق المحتضن في التغلب على هذه العقبات وفاز بحضانة وعده بالجنة فسيبقى لديه ذلك الشعور الكامن بمراقبة ذاته على الدوام «هل أميز في المعاملة أو التربية أو الإنفاق بينه وبين أطفالي؟».

 إن مراقبة الذات وسؤالها أمر إيجابي ويدفع الشخص إلى التحسن الدائم. فيما يبرز أمر سلبي يتيم من الاحتضان ألا وهو أن بعض الأسر تفتقر إلى التخطيط البعيد المدى، فتجدهم يأخذون الطفل ويقومون بتربيته ضمن وضع اجتماعي ومادي وثقافي لا مثيل له، وعندما يشتد عود هذا الطفل/ة يقومون بإعادته إلى دور الرعاية دون أدنى رحمة أو تفكير بمصيره الذي سيلاقيه، فكيف بهذا الطفل الذي عاش مرفها بأن ينحدر إلى العيش ضمن مستويات اجتماعية ومادية وثقافية مختلفة كليا؟ هم ليسوا بسلع ترد وتستبدل وتنتهي مدة صلاحيتها.

إن الإقدام على خطوة الاحتضان أمر جميل، ولكن الأجمل أن يعد الشخص نفسه ومحيطه بشكل جيد قبيل الشروع في هذا القرار، فالاحتضان أحد تلك القرارات التي لا رجعة فيها. هم أطفال بأرواح طاهرة نعم، قد يلقبهم الجهلة بأطفال الكراتين لكي يؤذوهم ويزيدوا قلوبهم ابتئاسا وحزنا، متجاهلين أن هذا الطفل لا ذنب له فيما وقع، وأنه يستحق أخذ فرصة عادلة للحب وللعيش بسلام وأمان تاميّن.