في التراث البوذي قصة تقول إن خمسة من العميان أخذوا يتحسسون ما حولهم عن طريق اللمس ويصفون ما وجدوا. الأول قال إنه وجد حبلاً سميكاً، الثاني قال إنه وجد جذع شجرة، الثالث قال إنه وجد ثعباناً ضخماً، الرابع قال إنه وجد مروحة مصنوعة من الجلد، والخامس قال إنه وجد رمحاً.
لقد وجد الخمسة شيئاً واحداً ولكن كل منهم وصف الجزء الذي يليه. فالأول أمسك بذيل الفيل، الثاني أمسك بإحدى قوائمه، الثالث أمسك بخرطومه، الرابع تحسس أذن الفيل، والخامس وضع يده على الناب. نعم، الصور التي نقلها الخمسة بكلماتهم، كلها صحيحة، ولكن لم يستطع أحد منهم أن يصف الصورة الكاملة ويقول بأنهم يصفون الفيل. لكي يصل العميان للاستنتاج الصحيح يحتاجون إلى عقد اجتماع مع بعضهم ثم يتذكرون أنهم كانوا في نفس المكان تقريباً ويجمعون الصور الجزئية لتكوين الصورة الشاملة.
واضح أن تكوين الصورة الشاملة صعب جداً على العميان في هذه القصة، خصوصاً إذا لم يسبق لهم السماع عن الفيل، وكذلك الحال حتى بالنسبة للمبصرين. نفس الصعوبة وربما أكثر تكتنف الوصول إلى التصورات الشاملة، خصوصاً في مجالات التقنية الحديثة وتشابكاتها. كل أهل تخصص يعتقدون أنهم يرون صورة واضحة، وهم على حق، لكنها صورة جزئية ولا تمثل التصور الشامل.
موضوع الأمن السيبراني ضخم ومتشعب جداً ويصعب توصيفه توصيفا دقيقا، فهو داخل في العديد من التخصصات الفنية التي تتشارك في تكوينه مثل الاتصالات بأنواعها المختلفة والشبكات السلكية واللاسلكية وبرامج الحماية ومواقع الإنترنت وأنظمة التشغيل وتقنيات التشفير وما إلى ذلك. كل هذه العناوين تتشارك في صناعة ما نطلق عليه الفضاء السيبراني، وجميع جهودنا في سبيل تأمين هذا الفضاء مترامي الأطراف نسميها الأمن السيبراني.
الأمن السيبراني باختصار شديد أشبه ما يكون بقصة العميان والفيل، فمختصو الحماية ينظرون له من زاوية البرامج المضادة للفيروسات وجدران الحماية النارية، ومختصو الشبكات ينظرون له كمركز مراقبة الشبكة، ومدير الشبكة ينظر له كتوزيع صلاحيات الوصول إلى الموارد، ومختصو التحكم ينظرون له من زاوية جلب المعلومات وإرسال الأوامر للتحكم عن بعد، ومهندسو الاتصالات ينظرون إلى الأمن السيبراني من زاوية حماية الاتصالات من عمليات التنصت والتعطيل، وخبراء التشفير يرون أن الأمن السيبراني يقتصر على اختيار تقنيات التشفير التي يصعب كسرها. جميعهم على حق، ولكن كل منهم يصف الجزء الذي يتعامل معه من الفيل السيبراني، ولكن الفيل بكامله أكبر من أن يحيط به أهل تخصص محدد.