فاطمة الأحمد



الإنسان بحد ذاته ودون أي إضافة أخرى هو قيمة فريدة ومميزة، ومودع بكم هائل من القيم، ثم من هذه القيم يتصل الأثر وينطلق ويأخذ في توضيب حيز له، ابتداء من الرضا بالذات ثم مع قيمته في الحياة وفاعليته في المحيط.

حين تعترف بأنك ألمَعيّ وخلاّق، وتملك هذا الحق معتقداً بذاتك وبشجاعتك التي لا تقبل التأطير، وتمكُنُك الذي لن ينهزم بسهولة.. تكون قد رسمت الخطوة الركيزة عبر هذا المنطلق الثابت.

مؤلم أن يعتقد البعض أنه طالما لا يمتلك العمل الذي يخرج به صباحاً في طابور العاملين والموظفين أنه لا يحق له أن يحدد رؤيته، ولا ينبغي له أن يتعمق في هذا الجانب، في حين تكون الحقيقة المؤكدة أن أيسر الأمور المعتاد القيام بها قد لا ترضي تطلعاته، لأنها لم تكن في صميم الإرادة والعمل المنظم المتناسق.. فحتى لو لم تبرْح عتبات منزلك.. لك الحق المشروع في كل هذا.

نجاحاتنا كلها وأهدافنا قائمة على تشبّع وعينا الخياليّ بالرؤية، كيف يجب أن نتصورها في الختام؟.. كيف نحب أن تكون عليه؟! هذا التصور ورسوخه هو الخطوة التالية بعد أن نكون قد توثقنا من مبدأ الاعتقاد والاستحقاق، والإيمان بأن كل فرد هو قيمة فعلية وحقيقية ومهمة في الحياة، ولا تعتمد هذه الرؤى أو الخطط والأهداف على كونه عاملاً أو لا أو تابعاً لمؤسسة أو منظومة، إنه فقط موهوب منذ الفطرة الأولى.

لكن لماذا يظن البعض أن ترتيب الأهداف وجدولتها جدولا زمنيا منظما شيء من المثالية، وأنه لا يمكن أن يكون المقياس الحقيقي الذي ننتهي معه إلى نتائج ونجاحات ملموسة فائقة على أرض الواقع؟ في حين يشكو هؤلاء باستمرار من ركود متصارع يجعلهم في حالة انهيار داخلي، وألم مرير، وتخبط، وعشوائية لأنهم لا ينجحون بأي طريقة كانت؟!

حتى تلك النجاحات التي ربما حدثت فجأة أو لتكن جراء انضباط - لوقت ما- ودفعٌ بلغ أقصاه، لا تلبث أن تُضيء لوقت وتخفت في آونة، بالإضافة إلى تُخمتها بالفجوات والثغور.

الحقيقة أنهم لم يتصالحوا أبدا مع قوانين الأهداف ولا يتفقون معها ومع نظرياتها ومع عواملها وربطها مع المدارك والهبات الفردية التي يتميز بها كل فرد عن غيره، مصرين على أنها من المثاليات فقط، وينظرون إليها على أنها فرضيات حسابية سطحية.. هم يحبون الأمور كلها في حيز النتائج فوراً!

مرة أخرى نتوصل لحل المشكلة وهي «يكفي أن تعتقد وتؤمن وأن تتحدث بصوتك لنفسك حول هذا الاعتقاد والإيمان كمن يهتف في الأعماق عن شيء غاب ليقْدم». هذا الاعتقاد الذي لا يصنف أي شيء إذا كان حقيقة أم خيالا.

بعد هذا الاعتقاد تشتد عزيمة الإرادة والهدف والرؤية، وكلها إذا تتبعتَ مصبُّها فهي نبْع من قيمة عُليا هي مشيئة الله وحده، ثم توكلك عليه واعتمادك وثقتك به.. عند هذه القوة نستند ولا نعجز، وتنحل آخر عقدة في ظنوننا العديدة حول الاعتقاد، وتقرعنا هذه الحقيقة الوحيدة لنستفيق تماماً، وتتجلى لنا كاملة بكل كيان راسخ، فليس بعدها اضطراب وزعزعة. عندما تصل للانبهار بها كأول المشاعر المحسوسة والواضحة ستتأكد أنك وصلت للاعتقاد تماما، لا أغشية عليه ولا ريب وانتقلت من هذا المنعطف.