كنت قد تحدثت قبل عام عن خلل يحصل خلال إعطاء اللقاحات المطلوبة للمواطنين والمقيمين، ممن ينوي أداء فريضة الحج، وكان الإشكال الحاصل يتمركز في 3 أمور: الأمر الأول: يكمن في وقت إعطاء لقاح الحمى الشوكية meningococcal vaccine، ذلك بأن هذا اللقاح عندما يحقن في جسم الإنسان، فإنه يحتاج من 7 -10 أيام ليعمل عمله في جهاز المناعة، ويحدث مناعة ضد الفيروس المحذور، المشكلة أن المراكز الصحية كانت تقوم بتلقيح الحجاج في الخامس أو السادس من ذي الحجة، أي قبل الحج بيومين أو ثلاثة أيام، الأمر الذي يجعل الحاج ينتهي من حجه ويعود إلى أهله ولم يتفعّل اللقاح في جسمه بعد.
الأمر الثاني -المهم جدا والذي يجهله كثيرون- هو أن مدة عمل هذا اللقاح في جسم الإنسان تصل إلى 4 سنوات؛ بمعنى أن من أخذ هذا اللقاح قبل عام أو عامين أو ثلاثة أعوام فلا داعي أن يأخذه الآن، ولن يحصل على أية قوة مناعية إضافية، فليدعه لشخص آخر يحتاجه.
الأمر الثالث: هو أن الوزارة ممثلة في مراكز التموين في العام الماضي، لم تدعم المراكز الصحية بالكميات الكافية من لقاح الحمى الشوكية، ولا لقاح الأنفلونزا، فالتموين الطبي لمنطقة عسير -مثلا- يمدّ قطاع أبها - الذي يحوي ما يربو على 50 مركزا صحيا- يمده بما لا يتجاوز 100 لقاح يوميا، فكم سيكون معدل نصيب كل مركز صحي من هذه الـ100 لقاح؟! لقاحان لا أكثر، وإذا علمنا أن المراكز الصحية الوسطية واحدها يغطي ما لا يقل عن 18 ألف نسمة، ويتم إمداد هذا المركز الكبير بما لا يجاوز 20-25 لقاحا في اليوم، علما بأن عدد من يأتي من المراجعين للحصول على اللقاح لا يقل عن 200 مراجع يوميا، فماذا ستفعل 25 لقاحا بـ200 مراجع؟!
ومن وجهة نظري، أن حل هذه الأمور الـ3 مُلِح وسهل في آن واحد.
فالأمر الأول، وهو مشكلة تأخر وقت إعطاء اللقاح يكون حلّه في أن تبدأ وزارة الصحة تلقيح من يريد الحج «من الآن»، لضمان تحقيق الهدف من اللقاح.
أما الأمر الثاني: وهو أن مدة عمل اللقاح 4 سنوات ولا حاجة لأخذه مرة أخرى قبل ذلك، فإن التوعية الإعلامية هي الأداة المثلى لهذا الأمر، في الإعلام المرئي والإلكتروني وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وخلافها، وهذا سيقلل من العبء على المراكز الصحية في المدن، ويوفر ميزانيات تصرف على لقاح يعطى لغير محتاج له، كما أنه سيجعل المراكز الصحية العاملة في المشاعر متفرغة للحالات الإسعافية والطارئة.
والأمر الأخير: وهو قلة الإمداد، فحلّه في ضبط الإحصاءات الماضية وأخذها في الحسبان، كما نحتاج إلى دقة الأرقام وحصر المستهدف، وموافاة مراكز التموين بعدد المستهدفين قبل الحج بوقت كاف لتوفير اللقاحات، إذ إن الإطلاع على العجز الحاصل في العام الماضي «إحصائيا» لأمر بدهي لتلافي تكرار الخطأ هذا العام، وربط التموين بشكل عام بالمنشآت الصحية بنظام إلكتروني، وكأني أقول استخدام «الملف الصحي الإلكتروني» وهو الأداة الفاعلة لحل هذه المشكلة.
ختاما؛ فإن الحلول سهلة «إذا» أخذت المشكلات في الحسبان، كما أن وضع الرجل «المناسب» ذي الجدارة في المكان المناسب على مستوى القطاعات الصحية والمديريات العامة، لهو رأس الأمر، وعن مثل هذا يطول الحديث.