هل نريد أن نبني رياديين اجتماعيين؟ أم برامج ريادية اجتماعية؟
في الحقيقة، إن بناء رائد العمل الاجتماعي هو السبيل إلى بناء البرامج والمشاريع النوعية في الريادية الاجتماعية.
لكن، قبل أن نبيّن كيفية بناء رواد العمل الاجتماعي، لا بد أن نعي مفهوم الريادة الاجتماعية، ونعي الممارسة التي يقوم بها.
فالريادة الاجتماعية تتمثل في الإجراءات والأعمال التي يقوم بها الأفراد لبناء المؤسسات وتحويلها في سبيل تطوير الحلول للمشكلات والتحديات التي تواجه المجتمعات المحلية مثل: الفقر، والمرض، والأمية، والفساد، وتحسين الحياة.
هذا من ناحية المفهوم، ولكن من ناحية الممارسة فلها اتجاهان: أولا أنها موجودة منذ الأزل، ولكنها كانت تحت مسميات مختلفة، فعلى سبيل المثال لا الحصر التكافل الاجتماعي أو الترابط الاجتماعي، ولإيضاح ذلك فإن لنا في تراثنا وتاريخنا الإسلامي ممارسات كثيرها، لعل أشهرها عين «زبيدة»، وهي زوجة هارون الرشيد، فحين أدركت خلال حجّها عام 186هـ، مدى الصعوبات التي تواجه الحجاج خلال طريقهم إلى مكة من نقص المياه، وما يعانونه من جرّاء حملهم قِرَب الماء من تعب وإرهاق، وكان كثير منهم يموتون جرّاء ذلك، قامت ببناء قناة ليستفيد منها الحجيج، وحاليا يستطيع كل زائر لمكة المكرمة الصاعد إلى الطائف أو النازل منها، أن يشاهد آثارها على سفوح الجبال.
أما الاتجاه الثاني من ناحية الممارسة، فهي تلك المؤسسات التي وضعت لها أدوات مؤسسية ومنهجية تكاملية بين الرياديين الاجتماعيين -كأصحاب أفكار نوعية- والمؤسسات التي تعنى بالمجتمع ويكون لها الأثر المستدام المتطور.
«جرج ديز Gerg Dees»، وهو أحد المختصين في الريادة الاجتماعية، ويعدّ أبا لتعليم الريادة الاجتماعية في العالم، أوضح أن الولايات المتحدة لديها اتجاهان في الريادة الاجتماعية، أولهما: هو التركيز المنصب على التخطيط الإستراتيجي وبناء القدرات وتنمية الموارد المالية، وهذا ما يتم تطبيقه في المملكة العربية السعودية من المؤسسات المانحة في القطاع الثالث مع الجمعيات الخيرية، أما الثاني: فهو إيجاد الرؤى الجديدة والابداعية للعاملين في الريادة الاجتماعية، بمعنى آخر هو كيفية وضع إستراتيجية لإدارة مواهب بناء الأفكار الريادة الاجتماعية، وهذا المسار هو الركيزة التي من شأنها أن تخلق أفكارا إبداعية تلامس تحديات المجتمع، فمتى استطعنا أن نبني رياديين اجتماعيين استطعنا أن نبني قدرات العاملين في الجمعيات الخيرية بشكل مؤسسي، فالتخطيط الإستراتيجي للمؤسسات غير الربحية هي الأنظمة واللوائح والتعليمات والأدلة الإجرائية، التي تُسيّر العملية الإدارية بشكل منظم، ضمن أهداف مرسومة ومؤشرات قابلة للقياس لتحقيق الهدف، لكن العملية البنائية لصناعة رائد العمل الاجتماعي لا تتوقف عند هذا الحد فقط، بل لا بد أن يصاحبها بناء الفكر الإبداعي لرائد العمل الاجتماعي في تلك المؤسسات والجمعيات غير الربحية، عبر مصفوفة مهارات يكتسبها هؤلاء الأفراد، منها مهارات إعداد خطط العمل، ومهارات التسويق وإدارة المشاريع، ومهارات الموارد البشرية، ومهارات الاتصال المؤسسي، ومهارات التواصل ومهارات خدمة العملاء.
يذكر أن جميع هذه المهارات يحتاج إليها أيضا أصحاب ريادة الأعمال، لكن الفرق الجوهري بين ريادة الأعمال ذات المفهوم التجاري والريادة الاجتماعية، هو الغاية النهائية التي يصبو إليها كل مجال.
فالهدف الإستراتيجي لريادة الأعمال هو الجانب الربحي وزيادته، أما الريادة الاجتماعية فالهدف الإستراتيجي لها هو الأثر الاجتماعي المستدام لفئات من المجتمع، ولقضايا يعانيها بعض أفراد المجتمع، كما أن من بين أهم المهارات لبناء الفكر الريادي الاجتماعي، هو كيفية صناعة الفكرة النابعة من احتياج مجتمعي، أو تلك الفكرة التي تتنبأ باحتياج قادم أو تحدٍّ قادم، وهنا يكمن دور المؤسسات المانحة في القطاع الثالث، وأيضا وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، لبناء برامج ودورات تخصصية ومشاريع نوعية، لبناء رواد في العمل الاجتماعي ليسهم معهم في صناعة مجتمع عالمي في الريادة الاجتماعية.