لعل حادثة فتاة سوق عكاظ واحتضانها أحد المغنين أمام مرأى الجميع وقد تناقلها الكثير من وسائل الإعلام، تبقى سلوكا مستهجنا وغير مقبول من الجميع، في مجتمع محافظ، وتناولي للقضية والحديث عنها، الحادثة تم تعاطي وسائل الإعلام الجديد، معها، ووصولها إلى كل مكان في العالم خلال لحظات، ربما بعضهم وجدها فرصة ليصطاد في الماء العكر كما يقال، ولأن ما حدث من سلوك الفتاة كشف لنا عمن يريد استثمار تلك الحادثة، «فريق حاول استثارة المجتمع» وإدخاله في معمعة من التجاذبات غير المجدية من خلال تيارين، تيار أهلكنا بسبب ما حدث، وكأن المجتمع قد اغتيلت فطرته وسقطت محافظته، وقتلت فضيلته، وهذا غير صحيح، وتيار هوّن كعادته علينا ما حدث، إلى حد، يريد معها تمرير الحادثة، وكأنها أمر طبيعي يحدث في جميع مسارح العالم، وبالتالي علينا قبوله «وفريق وظف الحادثة للإساءة للمجتمع» وربما اقتحم هذا الفريق أو من يشكل سواده الأعظم، حسابات مجهولة ومعادية، لهذا فمن الجيد ومصلحتنا المجتمعية، أن نتوقف عند نقاط حول ما جرى تلك الليلة وما أعقبها، فهناك من فضل الصمت عنها.
النقطة الأولى، نحن نقول، لن نبرئ مجتمعنا كما يظن بعضنا، ونجعله مطّهرا ومنّزها لا تحدث فيه الجريمة، ولا تقترف فيه الذنوب، وأنه يخلو من كل العيوب، لا أبدا لن نقول هذا، فنحن واقعيون، ونؤمن بأن الخير والشر في كل زمان ومكان، وفي كل العصور تحدث الجريمة وسوء السلوكيات، والحق والباطل في صراع دائم إلى قيام الساعة، لكن عندما تعلو الأصوات تستنكر هذا الأمر على مثل تلك الحادثة التي حدثت في مهرجان أدبي ثقافي منذ اثني عشر عاما، ونحن نفاخر بعودته للحياة، وأعني سوق عكاظ، فلا تلوموا تلك الأصوات، فهي تنطلق بحرقة من منطلق غيرتها على مجتمعها، من تلك التصرفات الطائشة وغير المحسوبة، من يريد أن يسميها تصرفات مراهقة أو صبيانية تهوينا، فليسمها بما شاء، لكنها تبقى تصرفات مرفوضة، وغير مقبولة، ومستهجنة من الصغار والكبار، لأننا بلد يُنظر إليه باحترام، لكونه البلد الذي يتجه إليه كل مسلم في صلواته خمس مرات كل يوم، لأنه البلد الذي يجب أن يعكس أبناؤه أخلاقيات الدولة المسلمة التي تقود العالمين العربي والإسلامي.
النقطة الثانية، عند كل تصرف يحمل سلوكا مشينا اعتدنا من أسماء معروفة وغير معروفة، وبخاصة في تويتر، وفي بعض صحفنا المحلية من يسعى جاهدا ومجتهدا إلى خلق تبريرات لما حدث، فتارة بوصف صاحب السلوك المستهجن بالمراهق الذي لا يجب أن يؤاخذ، ويجب أن يغفر له، وتارة بوصفه يعاني من أمراض نفسية، وهذه فرية اعتدناها كثيرا عقب تصرفات شوهاء، وكأن المطلوب تبريرها للمجتمع بهذا الشكل، لأجل قبولها، وتارة بالتهوين المفرط مما حدث، وأنا أقول عندما نخلق مزيدا من التبريرات غير المنطقية لكل صاحب سلوك شاذ على المجتمع، فهذا يعني أننا نفتح الباب مستقبلا لكل مراهق ومريض نفسي، ليقترف ما يريد من تصرفات حمقاء بحق المجتمع، وله أن يشوه صورتنا، ليُخرج ما في نفسه من ضغوط أمام العالم، أو لأن أصحابه أو صويحباتها دخلوا في تحد معه أو معها للقيام بأمر ما «ولا يهمه/ها» فالتبريرات لكل تصرفاته/ها الهوجاء جاهزة! وهذا أمر غير مقبول.
النقطة الثالثة، أنا أؤمن بأنه لا يمكن أن يسقط مجتمعنا بأكمله بفعل تصرف سيئ قام به واحد من الناس، لكن من الخطأ أيضا أن نسمح لهذا الفرد أيا كان، أن يتصرف بطريقة رعناء، دون أن يكون في حساباته أنه ينتمي إلى مجتمع كامل، وأن هذا المجتمع لن يسمح له بأن يتصرف بطريقة خاطئة كما يحلو له، ليأتي بتصرفات طائشة، من أجل أنه حر في تصرفه الشخصي، وفيما يفعل، وأن حريته الشخصية تلك، تكفل له دون تدخل أحد، أن يقترف ما يشاء من التصرفات ولو كانت سيئة.
النقطة الرابعة، أنا على ثقة كبيرة لا يساورها أدنى شك، بأن بلادنا عبر الأجهزة الأمنية، التي تعمل ليل نهار، قادرة على ملاحقة كل من يحاول الإضرار بأمننا واستقرارنا، ومن يريد خطفه إلى اليمين أو إلى اليسار، إما يريد ممارسات متطرفة لا تمثل وسطية الدين الذي نريده لنا، أو يريد ممارسة الانحلال والإفساد، ظنا أن هذه هي الحياة الحقيقية التي يريد أن يحياها، مَن هذا تفكيره يجب أن يعلم كل العلم أنه لن يفلت من قبضة رجال أمننا قواهم الله ونصرهم، وأنهم يعملون من خلال الأجهزة الأمنية وواجباتهم المنوطة بهم بكل جد واجتهاد، لحماية قيم البلد الدينية والوطنية، من أجل تثبيت الأمن الذي نُحسد عليه، وتوطيد الاستقرار الذي نشعر به، برعاية وتوجيه ومتابعة من ولاة الأمر حفظهم الله، ولذلك فأنا أشعر بثقة تامة فيما يقوم به رجالات النيابة العامة، وبمتابعة النائب العام، الذين يعملون على ملاحقة كل من يحاول أن يخرق القوانين والأنظمة، أو يسيء إلى البلد، فلنطمئن جميعنا، فإن بلادنا في أيد أمينة وقوية، وإنه ليس بإمكان كل من يحاول المساس بأمن البلد أن يفلت من العقاب والمحاسبة مهما فكر.
النقطة الخامسة والأخيرة، مع الأسف هناك فضائيات كانت تسجل حضورها عند قضايا مجتمعية أقل شأنا، إلا أنها غابت عن هذه القضية رغم تغطياتها للحفلات الغنائية، كان يفترض عليها هي وغيرها، أن تمارس دورها في تثبيت الوعي، وحماية الأخلاق، وتثقيف المجتمع، وهذا جزء من رسالتها الإعلامية، كان لها أن تستضيف أساتذة علم الاجتماع، ودعاة الدين الثقات من علمائنا المعتبرين، لتفسير ما حدث، والاستفادة من عدم تكرارها، ولا تشعر بالحرج فهذا دورها الأساس في حماية أبناء المجتمع والوطن.