كانت شخصية المرابي في الأعمال الأدبية العالمية رمزا للشرور، وتجسيدا حقيقيا للظلم والقسوة والأنانية المطلقة. وظلت شعوب العالم بمختلف ثقافتها تنظر إلى المرابي نظرة ملؤها المقت والاحتقار، لما تنطوي عليه نفسه من جشع وسوء سريرة، يبرران له استغلال حاجات الناس وأكل أموالهم بالباطل، بعد أن يوقعهم في فخاخه وحبائله وأساليبه في الإقناع.
لا نقصد بهذه المقدمة البنوك وما يجري داخل أروقتها من معاملات مصرفية ومالية، فقد أشبعت التعاملات المصرفية طرحا وتناولا، فحديثنا اليوم عن ظاهرة أخرى في طريقها نحو التفشي مثل الفيروس المعدي، يؤكد هذا الخوف المبرر من هذه الظاهرة زيادة ضحاياها يوما بعد يوم.
إنها ظاهرة التعاملات الربوية التي يديرها أفراد ليس لهم أي صفة قانونية، ولا ينتمون إلى أي منظمة مصرح لها بإقراض المواطنين بفوائد.
فهم ينتشرون داخل نسيج المجتمع عارضين بضاعتهم بأساليب وطرق لا تخلو من المكر والحيلة، ومستغلين جهل ضحاياهم بالأنظمة والقوانين.
وغالبنا صادف أساليبهم في التسويق لبضاعتهم السيئة، وشاهد ملصقاتهم التي يضعونها على أجهزة الصراف الآلي، وعلى أعمدة الإشارات المرورية، وعلى بوابات البنوك والمنشآت العامة، مقدمين لك خدماتهم المتعددة بتسديد الديون وتوفير الدفعات الأولى، والمساعدة في شراء السكن وتأثيث المنزل وترميمه، وإنجاز المعاملات المالية المتعثرة، وهم على أهبة الاستعداد لتوفير المبلغ المطلوب، مهما زاد أو نقص، سواء كان مليونا أو عشرة ملايين ريال، ولا تسألني عن الشخص أو الجهة التي تمولهم، وتوفر لهم هذه المبالغ الكبيرة.
قد يكون أحدهم زميلك في الوظيفة، أو صديقك في الاستراحة، وبعد أن تبث له شكواك وتسرد عليه ضائقتك المالية، وحاجتك المُلحّة إلى المال، فإنه سيبدي لك خدماته الجليلة عن طريق تقديمك إلى شخص ما قادر على إقراضك بما تشاء من المال، أو أن صديقك الودود هذا سيعرّفك على شخص وهذا الشخص سيقدّمك إلى شخص آخر لا تعرفه، لا أنت ولا صديقك، وستجد نفسك داخل شبكة معقدة من الأفراد، أشبه ما تكون بعصابة المافيا.
سيقدمون لك ما تشاء من المال، ولكن بعد أن توقّع على شيكات أو سندات أو أوراق، ومؤكدا أن الضحية لا يدري ما طبيعتها أو النتائج المترتبة عليها، أو أنه يدري ولكن الحاجة إلى السيولة أجبرته على تسليم رقبته على طبق من ذهب لأفراد لن يتأخروا يوما واحدا عن البدء في إجراءات إيقاف خدماته، وهم يعرفون طريقهم جيدا، فلست الضحية الأولى ولا الأخيرة لهم، ولا تعتقد بأنهم سيرحمون ضعفك أو يتعاطفون مع وضعك الأسري الموشك على الانهيار.
قد يعطونك مهلة للسداد، فهم يقرضونك بربا فاحش، وعند العجز عن السداد سيعطونك مهلة إضافية، على أن يزداد الربا فحشا على فحش، ومع مرور الزمن ستتعقد أحوال الضحية ويصل إلى طريق مسدود، وعندها سيوقن بأنه لا مفر من السجن، بعد أن تراكمت على ظهره الأموال الطائلة، وصار مكبلا لا يقدر على الفكاك، فكل السندات والشيكات التي وقّع عليها تدينه بما لا يدع مجالا للشك.
لا شك لدينا في خطورة هذه الظاهرة على المجتمع، وفيما يترتب عليها من تشتت أسري وفقدان للاستقرار النفسي والاجتماعي لأفراد عائلة الضحية، وهي ظاهرة متفشية في طريقها إلى توسيع دائرتها وزيادة أعداد ضحاياها، ولو اطلعنا على إحصاء بعدد المواطنين الذين تم إيقاف خدماتهم ودخلوا السجون بعد الوقوع في حبائل المرابين، لخرجنا بأعداد مخيفة تهدد تماسك المجتمع واستقراره، وهذا يضع على عاتقنا مهمة مكافحة هذه الظاهرة السلبية، وتوعية المجتمع بخطرها، فليس كل المواطنين قضاة ومحامون ومختصون في القانون.