تبدو الإستراتيجية البحرية وتطوير الموانئ في البحر الأحمر وخليج عدن ثابتة نسبيا لأكثر من 25 عاما. فلقد كانت إريتريا تنظر إلى الداخل، متجاهلة ساحلها، كما ازدهرت جيبوتي، ونمت تجارة إثيوبيا بتداولها مع المستثمرين الأجانب، وأقيمت قواعد عسكرية أجنبية، وأصبحت شواطئ الصومال مرادفة للقرصنة، مما أدى إلى مناورات بحرية آسيوية وغربية، لضمان عبور قناة السويس بهدوء وحرية.
ولكن الآن بدأت تتغير تلك الأمور، وفجأة أصبحت الموانئ في القرن الإفريقي وخليج عدن في دائرة الضوء.
لقد شدد رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد مرارا وتكرارا على تطورات الموانئ في جولته في البلدان المجاورة، منها الصومال والسودان وجيبوتي. ويثير التقارب بين إثيوبيا وإريتريا إمكانية إعادة تأهيل الموانئ الإريترية في عصب ومصوع. وعلى بعد 25 كيلومترا عبر مضيق باب المندب، أعطت الحرب في اليمن الموانئ الإفريقية القريبة أهمية جغرافية إستراتيجية جديدة.
يحتاج القرن الإفريقي إلى تحسين المنافذ والبنية التحتية للتعامل مع الوتيرة الحالية للنمو الاقتصادي لإثيوبيا، والتي يعتمد عليها التكامل والازدهار الإقليمي الأوسع. ولهذا السبب كانت الموانئ من أولويات رئيس الوزراء أبيي أحمد في زياراته الخارجية. ففي جيبوتي، دعا إلى الاستثمار المشترك في موانئ الدولة الصغيرة. وفي السودان قدَّم أحمد والرئيس عمر البشير خططا لتحديث ميناء بورتسودان معا. وفي الصومال، أعلن أحمد أن إثيوبيا ستعمل مع مقديشو لترقية أربعة موانئ صومالية.
من الواضح أن إثيوبيا غير الساحلية تتطلع إلى كسر اعتمادها الشديد على جيبوتي التي تعاملت مع 90% من تجارتها الخارجية منذ بدء حرب الحدود مع إريتريا في عام 1998. وفي الواقع، سوف تستمر هذه الأحجام التجارية في النمو، حيث استثمرت السلطات الإثيوبية والصينية والجيبوتية في تطوير وتحسين قدرة البنية التحتية بشكل كبير على طول ممر جيبوتي.
يتم تمويل مبادرات البنية التحتية الرئيسية في جيبوتي وتقودها الشركات الصينية. فمرفق جيبوتي الجديد الذي تملكه في درالي، على سبيل المثال، تديره مجموعة شركات صينية منذ عام 2013. تمتلك المجموعة، التي تتخذ من هونج كونج مقرا لها، 23.5% من ميناء وجزيرة المنطقة الحُرة في جيبوتي (DPFZA)، واشترت في أوائل عام 2017 حصة في خطوط الشحن المملوكة للدولة في إثيوبيا، التي تعتبر ميناء جيبوتي هو ميناؤها الرئيسي.
كما تستثمر الشركة في بناء طريق سريع لربط الميناء بحدود إثيوبيا. وفي الوقت نفسه، سمحت الاتفاقية للإمارات العربية المتحدة، التي تلعب دورا مركزيا في الحرب في اليمن، بتطوير قاعدة بحرية إلى جانب بربرة.
إن تشجيع المستثمرين العرب والصينيين المنافسين على التنافس للحصول على حصة من الأرباح الناتجة عن دمج موانئ إريتريا في خطط بنية تحتية طويلة الأجل في أديس، يجب أن يكون مباشرا نسبيا. ومع ذلك فمن غير المؤكد إلى حد بعيد ما إذا كانت السلطات الإريترية قادرة على إجراء إصلاحات اقتصادية محلية وتسهل تقديم العطاءات التنافسية للحصول على خدمات موانئ وخدمات بحرية جديدة، مع الوفاء بتعهدات قصيرة الأجل لدولة الإمارات العربية المتحدة.
ما هو واضح الآن أن الموانئ في القرن الإفريقي أثبتت أنها ذات أهمية متزايدة للمستثمرين العرب والصينيين المتنافسين، وأن سياسات الموانئ أصبحت محورية في تشكيل تحالفات وعداوات سياسية عبر منطقة.
ديفيد ستيان*
* أستاذ في قسم السياسة بكلية بيركبيك، جامعة لندن- صحيفة (أفريكان آرجيومنت) - لندن