كنت قد تحدثت في مقال سابق عن تغييب وزارة الصحة للملف الصحي الإلكتروني «EMR»، والذي أرى فيه أهمية كبيرة في صنع إيجابيات لا حصر لها، وقد جاءت قبل أيام موافقة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- على بدء استخدام السجل الإلكتروني الذي يُعدّ من أهم الخدمات الإلكترونية التكاملية التي تؤسس لمشروع الملف الصحي الإلكتروني الموحد.
جاءت الموافقة الكريمة، كحلقة من السلسلة المستمرة للعطاءات التي يقدمها -حفظه الله- للوطن والمواطن، وكانت هذه الموافقة لبنة لبناء هذا الملف الإلكتروني الصحي الذي جاء كبشرى خير للمريض والطبيب خصوصا، وللمجتمع والقطاع الحكومي على حد سواء.
منذ أن يدخل المريض إلى المنشأة الصحية بأنواعها ويبرز هويته الشخصية، ويعطَى بناء عليها «ورقة» تكتب فيها بياناته، هنا تبدأ قصة دور السجل الصحي الإلكتروني، فبدونه سنلجأ إلى الطريقة التقليدية التي تعتمد على الورق والكتابة اليدوية، والورق يحتمل الضياع بشكل كبير والتلف، بل والتجرثم، وأما الكتابة اليدوية فتحتمل الخطأ وربما الغموض وصعوبة قراءة المكتوب، مما يترتب عليه تشخيص خاطئ، انتهاءً بصرف دواء خاطئ، فما أقرب الشبه «كتابة» عند بعض من لا يجيد الكتابة من الأطباء بين Captopril وChlorpheneramine عندما تراها على الوصفة اليدوية، والأول لمرض ارتفاع ضغط الدم والثاني للحساسية، وشتان بين العمرين!، وهذه الأخطاء يحجمها السجل الصحي الإلكتروني، ويجعل جميع الإجراءات محفوظة، وبخط واضح لا شك فيه، بل ويتم حفظ جميع ما تم عمله للمريض منذ دخوله المنشأة الصحية إلى أن يكتب له إشعار الخروج. وأكبر من ذلك أنه يمكّن الطبيب أن يطلع على جميع ما قد عُمل للمريض في زيارات سابقة من غير زيارته الحالية، بل وأجمل من هذا أنه يمكن للطبيب في أي منشأة صحية في المملكة أي يطلع على كل ما تم عمله للمريض في أي منشأة أخرى في المملكة، من أعراض انتابته وفحص وضمادات وتشخيص وفحوص مخبرية، وتدخلات طبية وعمليات جراحية أو مناظير، كما أنه سيتم تدوين ما يعانيه المريض من أمراض مزمنة أو أمراض تحسس من أدوية أو أطعمة معينة أو ظروف بيئية، الأمور التي قد ينسى المريض ذكرها لطبيبه الجديد أو يتركها، ظنا منه أن لا فائدة من ذكرها، بينما تكون أحيانا «معلومات مفصلية»!
إن الملف «السجل» الصحي الإلكتروني «EMR» إنجاز حضاري قيّم جدا، فعلاوة على ما ذكرنا من فوائده للمريض، فإنه يقلل من الأخطاء الطبية، ويرفع من مستوى الخدمة الصحية المقدمة، كما يسهم في التحديث البناء للمعلومات الطبية، وهو أيضا يوفر المعلومات المهمة التي يحتاجها طبيب الطوارئ في الوقت الحرج بسرعة ودقة، تحفظ وقت الطبيب وحياة المريض، وأبعد من ذلك فهو يمنع تشتت التاريخ المرضي للمريض PMH، وضياع الملفات، فيعطي صورة تشخيصية دقيقة وفي وقت قياسي، كما أنه ولا شك يوفر أموالا طائلة تصرف على الورق والملفات اليدوية والأرفف ذات المساحات والطابعات والأحبار والأقلام والخرّامات، وحدّثْ ولا حرج عن سائر الأدوات المكتبية.
وهو أيضا على مستوى الأشعة خصوصا، فهو يغني عن الأفلام والتحميض وحفظ أفلام الأشعة وما يتبعها من طرق حفظ وإعادة عمل فيلم يستغرق وقتا ومالا، ويعطل مريضا.
لا شك أن المشروع عبارة عن تحدّ كبير يحتاج إلى دراسة شاملة وتخطيط وتحضير جيد، فالتغيير كبير ولا بد من تطبيق «مفاهيم إدارة التغيير» لهذه المرحلة، ولا بد من التحفيز ممزوجا بالتدريب المتواصل، مع شرح فوائد السجل الصحي الإلكتروني الموحد وإبرازها.
ولتطبيق هذا الملف الواعد على المنشآت الصحية، فإن جمعية المعلومات الصحية ونظم الإدارة «HIMSS»، وفرت أداة تحليلية تتدرج إلى 7 مراحل، تستطيع كل منشأة صحية أن تعرف موقع مرحلتها من بين هذه الـ7، وبناء عليها تحقق المعايير المطلوبة للمرحلة حتى تصل إلى المرحلة السابعة التي تكون فيها المنشأة خالية من «الأوراق».
وقبل الختام، فإني أطمح إلى يكون لهذا السجل الصحي الإلكتروني الموحد تطبيق للأطباء وللمرضى، يتم تحميله على الأجهزة الذكية، ليكون في متناول الكل، كما أرى أن يكون المريض قادرا على الاطلاع على ملفه الصحي، وليربط هذا النظام بوزارة الداخلية -أبشر مثلا- ليكون موثقا وآمنا، ومن المحبّذ أن يكون الارتباط الشبكي شاملا مع المستشفيات والمراكز الصحية والمستشفيات الجامعية، وليعمل المجلس السعودي الصحي على خلق تنظيمات توفر الجودة والسلاسة معا بين القطاعات بأنواعها، ولنبرز للعالم جدارتنا تقنيا.
وختاما، فإن وزارة الصحة، مدعومة بقيادتنا الراشدة ـ تسير في هذا الاتجاه المشرق، لعمل نقلة نوعية تضع بلادنا على الخارطة الصحية العالمية وبتفوق، فشكرا خادم الحرمين.