القمة الأميركية الروسية التي عقدت قبل يومين في هلسنكي أتت بنتائج متباينة إلى حد كبير، فهناك من اعتبرها ناجحة مثل الرئيسين ترمب وبوتين، وهناك من اعتبرها فاشلة كمعظم الإعلام الأميركي الذي يبدو أنه لن يرضى على ترمب حتى يغيب عن المشهد السياسي.

فلو بدأنا بأهم قضية تهمنا نحن العرب وهي الأزمة السورية، وتنمر إيران في المنطقة، بإمكان المتتبع أن يقرأ كلاما عاما قاله الزعيمان فيما يتعلق بالآليات والخطوات التي سيتم السعي نحو تطبيقها لتخفيف حدة الصراع في سورية، وضمان عدم تملك إيران سلاحا نوويا، والتوقف عن دعم الإرهاب، فالمباحثات في جانبها المهم والإستراتيجي دارت خلف الأبواب المغلقة وبين الرجلين فقط ودون تواجد باقي المساعدين والمستشارين، وهو ما جعل تسرب طبيعة ما دار في ذلك الاجتماع من تفاصيل واتفاقات عامة أمرا غير ممكن ما لم يقرر خلال الأيام القادمة أحد الزعيمين بتسريب التفاصيل.

معظم ما نقرؤه ونسمعه حول ما جرى في ذلك الاجتماع يدخل في خانة التكهنات والتحليلات السياسية التي بطبيعتها يتأثر صاحبها بالرؤى السياسية أو الفكرية أو الموقف من هذا الطرف أو ذاك، إلا أن الشيء المؤكد هو أن الرجلين قاما بإدارة اجتماعهما على المستوى الإعلامي بشكل شبه متوافق، فلم يظهر أي تناقض واضح أو تصادم أو اختلاف كبير في المواقف، بل ربما يمكن القول إن كلا الطرفين قاما بدور المدافع عن الطرف الآخر والمبرر له، وهو الأمر الذي أثار سخط وسائل الإعلام الأميركية وأقطاب الليبرالية وبعض المحافظين من أعضاء الكونجرس، والذين بدا لهم أن بوتين تمكن من التلاعب بترمب سياسيا وأدخله من باب وأخرجه من آخر دون أن يكون قد واجه رئيسا يحمل مشروعا وطنيا أميركيا وحزما حقيقيا في المواقف السيادية التي لا تقبل المساومة، بل رئيس جل ما لديه لا يتجاوز كلمات الإعجاب ببوتين وقناعة أن روسيا لم تتدخل في العملية الانتخابية التي أوصلته للحكم.

أكبر قضية محلية تواجه الرئيس ترمب منذ قدومه للبيت الأبيض هي الاتهامات التي تطال حملته الانتخابية بالتآمر مع روسيا لإسقاط هيلاري كلينتون، والتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016، وهي القضية التي شخصيا لم أكن أتوقع أن تأخذ الحيز الذي أخذته في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد القمة، فقد ركز الإعلام الغربي بشكل شبه مطلق على هذه القضية، دون أن يهتم كثيرا بالقضايا الدولية التي تهم العالم، فالأسئلة التي وجهها عدد من الصحفيين للرئيس ترمب وعلق عليها بوتين كانت وكأنها اختبار شجاعة، حيث يطلب الصحفي من ترمب أن يقول بشكل صريح إنه يصدق ما قاله له بوتين في كون روسيا لم تتدخل في حين يكذب كل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في بلاده التي قدمت البراهين القضائية التي تدين تورط عناصر روسية وأميركية في عملية تشويه لنتائج الانتخابات.

من المفارقات أن أحد المذيعين المعروفين في قناة فوكس والمحسوبة على ترمب وجه نقدا لاذعا للرئيس في أعقاب المؤتمر الصحفي، حيث وصف «نيل كوفوتو» أداء الرئيس بأنه «مقزز»، مستطردا أن «رئيسا أميركيا في أرض أجنبية متحدثا مع أكبر الأعداء أو المنافسين يقوم بفسح المجال له دون أن يقدم له ولو قليلا من النقد، وهذا أمر يعيدنا للخلف كثيرا»، وهو موقف بطبيعة الحال يجد له تأييدا كبيرا في أوساط الإعلام اليساري الذي بدأ بهجومه على ترمب من قبل أن تبدأ القمة، فالرجل كما يقولون يثبت يوما بعد يوم أنه متآمر مع روسيا، خصوصا أن الرئيس بوتين في تصرف لا يبدو أنه بريء قال بشكل صريح أثناء المؤتمر الصحفي «إننا في روسيا كنا نأمل أن يفوز ترمب في الانتخابات، فقد كان مرشحا يروج لفكرة التقارب مع روسيا، وهو أمر نرحب به ونثني عليه».

المحصلة أن الاجتماع كما بدا للمراقبين كان أقرب لاستعراض سياسي وكرت انتخابي مستقبلي ومناسبة علاقات عامة مكلفة معنويا للعالم، أكثر من كونه اجتماعا عقد لوضع الحلول العملية على القضايا الشائكة التي يعيشها العالم، وأن الفائدة الأولى التي سعى ترمب لتحقيقها من هذا الاجتماع هي الظهور أمام العالم أنه لا يهاب بوتين، وغير خاضع له، على الرغم من أن من يتابع ترمب في لقاءاته مؤخرا مع قادة العالم كان دائما يحاول الظهور أنه متحكم بالمحيط، وهو الأمر الذي لم يظهر في لقائه الأخير، حيث كان واضحا سيطرة الرئيس الروسي على الأجواء، بما في ذلك موعد انعقاد المؤتمر الصحفي الذي قالت وسائل الإعلام الأميركية عن توقيته إنه أتى في وقت الذروة لمشاهدة المواطن الروسي للتلفاز.