كان حديثنا في المقال السابق عن انتفاء وجود سند نظامي واضح يحول وتمتع المرأة بحق التنقل، الذي كفلته الدولة لكافة مواطنيها ومواطناتها، ويمنع تطبيق القرار السامي رقم 33322 بخصوص هذا الحق. واليوم سأتناول هذا الموضوع من حيث زعم أن طلب إدارة الجوازات لإذن «ولي أمر المرأة» في شأن سفرها، هو فرض شرعي.
بداية نذكر أن ما يدعيه أصحاب الزعم أن طلب إذن ولي أمر المرأة على سفرها، هو واجب شرعي، هي دعوى يستندون فيها لحديث «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها حُرْمة» -أي: ذو مَحْرَميَّةـ «رواه البخاري 1088 ومسلم 1339».
وجاء في بعضها: مسيرة يوم وليلة.
وفي بعضها: مَسِيرَة يَوْمٍ.
وفي بعضها: مسيرة ليلة.
وفي بعضها: لا تسافر المرأة يومين من الدهر.
وفي بعضها: سفرا فوق ثلاثة أيام.
وفي بعضها: مسيرة ثلاث ليال.
وفي بعضها: مسيرة بريد.
يلحظ مما سبق:
1/ ما ورد فيه النص هو «المحرم»، وليس «ولي الأمر»، وولي الأمر المطلوب «توقيعه» على أوراق سفر المرأة، قد يكون غير مَحرَم لها، فقد يكون مثلا «ابن عم» وذلك عند عدم وجود أب أو زوج أو ابن أو أخ أو عم.
والحديث المدَّعى اتباعه، تكلم عن «مَحرَم» وليس «أولي العصبة -ولي أمر بترتيب الإرث-»، قد يكون المَحرَم «خالا» أو «ابن أخت» أو «ابن أخ» ولا يُعترف به كولي أمر للمرأة!
مع أن الحديث المدَّعى اتباعه، تكلم عن محرَم، ولم يخصص أن يكون من «أولي العصبة في الإرث». وقد يكون المَحرَم «أبا» أو «أخا» أو «ابنا» أو حتى «عم» أو «جد»، ومع ذلك لن يُقبل توقيعه على الأوراق أو حتى «مرافقته» للمرأة، إذا لم يكن الزوج راضيا، مع أن الحديث المدَّعى اتباعه تكلم عن محرَم، ولم يحدد أي درجة ولا حدد أي منهم، فالخلط بين «المحرم» و«ولي الأمر» في النظام، هو خلط يضر كثيرا ويبعدنا عن ملامسة الواقع أو إيجاد حلول له.
2/ ما ورد في النص هو «مرافقة» المحرم، وليس «موافقته».
ونتساءل: هل الدولة أو نظام الجوازات أوجبا «مرافقة» المحرم للمرأة في السفر؟
الإجابة هي «لا».
وهنا يبرز سؤال مهم: إذا كان هدف نظام الجوازات هو اتباع نص الشرع: فلتلزم «المحرم» بـ«المرافقة»، وليس أن تطلب «موافقة» فقط، وإذا كان هدف نظام الجوازات هو اتباع نص الشرع: فلترض بموافقة المحرم، أيا كانت قرابته، لا أن تطلبها من أولي العصبة وحسب!
وإذا كانت إدارة الجوازات ترى أن واجبها تطبيق اجتهادات فقهية «مختلف فيها» بناء على نصوص «ظنية الثبوت»، فنتساءل لماذا لا تطبق نصا آخر يختص بالسفر بشكل عام وبالرجال بشكل خاص:
فقد ورد في البخاري «2998» عن ابن عمر، قول النبي، صلى الله عليه وسلم: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ، مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ)، فليمنعوا الرحلات الليلية!
كما أخرج الإمام أحمد في «المسند» (2/91) هذا الحديث بزيادة فيها: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْوَحْدَةِ أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَوْ يُسَافِرَ وَحْدَهُ)، بالتالي فلتصدر إدارة الجوازات نظاما يمنع سفر الرجل وحده دون مرافقة آخر له!
وهنا نتساءل، وحُقّ لنا التساؤل: هل مهام إدارة الجوازات تستند على اجتهادات فقهية متعددة تنتقي من بينها ما لا نعلم سبب تفضيلها له، أم على أوامر نظامية وبنود واضحة صادرة عن وزارة الداخلية؟
نقطة مهمة أيضا جديرة بالانتباه:
السفر داخل حدود المملكة، لا يستلزم -نظاما- موافقة ولا مرافقة ولي الأمر، مع أن الحديث المدَّعى اتباعه لم يحدد حدودا جغرافية لضرورة «مرافقة المَحرَم!».
كل هذا يجعلنا نستبعد وجدا ما يروّج من قبل البعض أن طلب إذن ولي أمر المرأة على سفرها هو «تطبيق لفرض شرعي»..
إضفاء الصبغة الدينية على الأمر هو مغالطة كبرى ينبغي توضيحها..
المسألة هي «تنظيم» فرضه فكر الصحوة في فترة ما ولبسه لباس الدين عبر مغالطة محبوكة، لإضفاء الصبغة الشرعية وضمان قبوله بين الناس، دون أساس حقيقي، سواء شرعي أو نظامي.
ويبقى في هذا الموضوع أن نناقش ما ورد بخصوص المحرَم وسفر المرأة.. وسيكون هذا محور المقال التالي، بإذن الله.