العارفون بقيمة إمارة الشارقة، في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، يطلقون عليها لقب (شارقة العلم والثقافة)، وألقابا أخرى، تدور في فلك ما أراده لها حاكمها سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، كعاصمة ومركز للتراث والتاريخ والفنون والعلوم والصحافة والكتاب والثقافة والسياحة، مع الجمع المتقن بين الحداثة والتمسك بالتقاليد الحية.. المشهد الثقافي فيها مزدهر جدا، يقوده ويرعاه سمو الحاكم، وأول وزير للتربية والتعليم في الدولة، بعد أسبوع من تأسيسها على يد الراحل سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، ويوليه جل اهتمامه، ويعطيه دعمه السخي، ويكفل له ما يعزز من جعل الإمارة خيارا في حوار الحضارات الإنسانية، وعنوانا للحضارة العربية والإسلامية الأصيلة..
في الشارقة، ومن دلائل التنمية الثقافية فيها، يوجد (المنتدى الإسلامي)، وهو مؤسسة حكومية تعنى بالثقافة المجتمعية الإسلامية، وتهتم بنشرها بين جميع فئات المجتمع، وقد تأسس عام 1929، وسعى القائمون عليه إلى تبني كثير من الأنشطة التي تهدف إلى التنمية الاجتماعية والثقافية، ثم انقطع العمل فيه إلى أن تم تأسيسه الثاني في عام 1988، بأمر من سمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، أعاده به إلى صياغته الأولى، وبما يضمن تعميم نفعه بين كل قطاعات المجتمع، دون أي استثناءات، وليكون مساهما في خدمة التنمية، وبناء الإنسان، وفق رؤية حضارية تعتمد على القيم الإسلامية والانتماء العربي، مع مواكبة التطلعات العصرية المنضبطة التي تتوجه إلى التربية والمعرفة والبحث والثقافة الرصينة..
عرفت المنتدى قبل 13 سنة، وأحمد ربي أني وجدته مخلصا لشعاره: (الفكر الإسلامي هو الأساس الذي يبنى عليه المشروع الحضاري)، ووجدت أمينه، الاقتصادي والإداري والمثقف، الدكتور ماجد بو شليبي، الذي كان أمينا عاما لدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، وقبل ذلك أمينا عاما للمجلس الأعلى للطفولة، وفريقه العلمي والثقافي، ومن خلفهم لا يألون جهدا في تحقيق رؤية المنتدى: (التأكيد على هوية المجتمع الإسلامي، والحفاظ عليها في مواجهة التغير المستمر، وطرح الحل الإسلامي في كثير من المسـائل، ضمن إطار من الاتزان والاعتدال والوسطية)، وعاملين على تحقيق أهداف مباركة سامية، وقبل أيام شاركت في الدورة العلمية الثامنة عشرة للمنتدى، التي كانت بعنوان (حب الوطن من الإيمان)، قدمها كوكبة من العلماء المشهود لهم بالمكانة العلمية، من الإمارات والمملكة والعراق وسورية ومصر، وتعرفت على عمل القائمين بأعمال المنتدى، وتيقنت من صدقهم وإخلاصهم في خدمة العلم، من خلال اعتنائهم الكبير بالمشتركين في الدورة من طلاب العلم من الإمارات وسلطنة عمان واليمن وسورية ومصر والهند وكازاخستان والسنغال وساحل العاج ونيجيريا وغيرها، جمعنا همّ تقديم الصورة الحقيقية لديننا، وسط حملات التضليل، والتحزبات، والحالات المتطرفة التي حاولت الإساءة له بالعديد من الممارسات العملية والتنظيرات البعيدة عن جوهره..
أتمنى مخلصا أن تتم الاستفادة من أعمال المنتدى، داخل الإمارات وخارجها، وأن يستفيد المهتمون بالدين من العمل الجاد فيه، وأن ينفتح في مناشطه، وأن يتسع ويتحول لأكاديمية علمية، وأن نسعى كأفراد وكمجتمعات من أجل نشر الإسلام كفكر مستنير، ووفق المعطيات الراهنة التي تمثل الجوهر الحقيقي للشريعة السمحة، وتقديم الأسس النظرية، والفعاليات الفقهية والفكرية التي تدور في إطارها إسقاطاتنا وهمومنا الإنسانية والأخلاقية، مع اليقين بأن التوازن والإبداع والانفتاح لا يعني ألا نكون متدينين في قناعاتنا، ودون ذلك تضييع للسلوك الإنساني المعتدل، وخلفه الخسران المبين، لجيلنا، ومن بعده.