يواجه حلف شمال الأطلسي «الناتو»، اليوم، تحديات متعددة، إذ يهاجم الإرهابيون العواصم الأوروبية، وتمارس الهجرة ضغوطا على أنظمة الأمن الحدودية والداخلية، وروسيا قادرة على استخدام القوة العسكرية، وغيرها من وسائل التأثير في أوروبا، ويهدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإلغاء التحالف كليا. لكن المشكلة الأكثر خطورة ليست واحدة من هذه التهديدات الواضحة، بل إنها انهيار الديموقراطية الليبرالية داخل الحلف نفسه.

لم يكن الناتو حلفا نموذجيا أبدا، فمنذ نشأته عام 1949، لم يكتف الحلف بردع التهديدات الخارجية والدفاع عنها، بل أسهم أيضا في تقدم مبادئ الحُكم الديموقراطي الليبرالي،

على الرغم من أن تماسك الحلف كان يستند في البداية إلى التهديد المشترك للاتحاد السوفييتي، فإنه كان أكثر توحدا من معظم المنظمات متعددة الأطراف، بفضل الطابع المشترك لأعضائه.

كانت جميع الحكومات المنتخبة ديمقراطيا تقريبا مسؤولة أمام مواطنيها، ومقيدة بحكم القانون، ومكرسة لدعم الحقوق السياسية والمدنية. ولقد ألزمت «المادة 2» من معاهدة تأسيس حلف شمال الأطلسي الأعضاء بـ«تعزيز مؤسساتهم الحرة».

وغالبا ما كانت البلدان التي تواجه تهديدا مشتركا، تتجمع معا للدفاع عن نفسها والبقاء على كياناتها، ولكن معظم تلك التحالفات لم تدم طويلا، إذ تنتهي بمجرد التخلص من هذا التهديد.

ولهذا السبب، خشي كثير من المراقبين من أن يختفي حلف الناتو مع نهاية الاتحاد السوفييتي. لكن بفضل التماسك الداخلي الذي أوجدته قيمه الديموقراطية، والحوافز التي أوجدتها معاييره الطموحة للأعضاء الجدد، تحدّى التحالف التوقعات.

وبدلا من التفكك، تكيَّف حلف شمال الأطلسي مع التحديات الجديدة، وأصبح حجر الزاوية للأمن عبر الأطلسي بعد الحرب الباردة.

اليوم، يُشكل الكرملين مرة أخرى تهديدا خَطِرا في أوروبا وخارجها. لكن على عكس آخر مرة واجه فيها الحلف روسيا، فإن حلف الناتو الآن في خطر.

يقوم كثير من الأعضاء بتفكيك مؤسسات وممارسات الديمقراطية الليبرالية التي ظهرت منتصرة في الحرب الباردة، وقد تسوء الأمور إذا استغل «الديماغوجيون الأوتوقراطيون» المخاوف الشعبية للحصول على نفوذ سياسي في الدول الأعضاء الأخرى. فقط عندما يكون التحالف مطلوبا بقدر ما يواجه التحديات من الخارج، فإن أسس قوته تتعرض لخطر الانهيار بسبب التحديات من الداخل. ويبدو أنه لا يمكن حل هذه التحديات في مقر الناتو الجديد في بروكسل خلال التعديلات الإجرائية أو خلال توجيه أصابع الاتهام إلى أسوأ المخالفين الذين يجب هزيمتهم في دولهم.

سيليست أ. والاندر*




*خبيرة في الشؤون الأمنية والسياسة الخارجية الروسية - مجلة (فورين بولسي) - الأميركية