ما إن علمت عن انعقاد (المؤتمر العالمي الأول عن جهود المملكة العربية السعودية في خدمة القضايا الإسلامية) الذي نظمته الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالتعاون مع دارة الملك عبد العزيز، الأسبوع الماضي، حتى عاهدت نفسي على حضوره، فلم يسبق أن نالت هذه الجهود اهتماما مماثلا، وبحمد الله وصلت إلى أرض المدينة المنورة ودخلت قاعة (دار الحديث) المخصصة للنساء، وهناك كنت أراقب تحركات عقارب الساعة لأتمكن من سماع مداخلات الباحثين حول أبحاثهم، فالنظام المتبع كان يقضى بقراءة ملخصات الباحثين من قبل أعضاء في اللجنة العلمية المنظمة للمؤتمر، ثم تأتي مداخلات الباحثين في حدود لا تتجاوز الدقيقتين، والتي في الأغلب لا تشبع فضول الحضور ولا شغف الباحثين الذين جاء بعضهم من خارج المملكة، وجدير بالإشارة ما صرح به معالي الدكتور "محمد بن علي العقلا" مدير الجامعة الإسلامية ورئيس المؤتمر في الجلسة الختامية حفظه الله: أنه في المؤتمرات القادمة سيمكن الباحث من قراءة ملخص بحثه بنفسه.
أما الأمر الذي كان جاذبا للغاية في هذا المؤتمر، فهو الشهادة العالمية التي أعلنت عن جهود المملكة العربية السعودية في خدمة القضايا الإسلامية، أطلقها مشاركون في هذا المؤتمر جاؤوا من خارج المملكة، إضافة لسماع أصوات سعودية منصفة عرضت وبحيادية مطلقة بعض جوانب من جهود هذه الأرض الطيبة في خدمة الإسلام وأهله.
وقد أعجبني ما قاله مدير الجامعة معالي الدكتور "محمد بن علي العقلا" في كلمة الافتتاح من: (إننا لا نغمط أحدا حقه وجهوده، فلكلٍ جهوده ودوره والأمة تحتاج إلى الجهود كلها، ولكننا فقط نوثق للتاريخ بعض ما قامت به هذه الدولة المباركة من جهود في خدمة الحرمين والقضايا الإسلامية وخدمة شباب الأمة، وخدمة الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة..) أما معالي الدكتور "فهد بن عبدالله السماري"، أمين دارة الملك عبد العزيز، فمن السهل عليك إدراك ومنذ اللحظات الأولى لسماع حديثه مدى ما يتمتع به من سعة اطلاع، وقد أشار حفظه الله في حفل الافتتاح إلى أن الهدف الأسمى من هذا المؤتمر ليس المنة بالعطاء ولا التباهي بالشعارات، بل المراد منه إلقاء الضوء على بعض المنجزات المهمة التي تبذلها المملكة العربية السعودية في خدمة القضايا الإسلامية، كما بين أن الجهود التي تبذلها بلادنا الغالية لا تسعى من خلالها للحصول على مكاسب دنيوية أو تحقيق مصالح متبادلة، فهي خالصة لوجه الله تعالى، وكان في حديث الدكتور العقلا والدكتور السماري الجواب الكافي لما يمكن أن يطرح هنا وهناك.
ولا أخفي عليكم مدى الفضول الذي اعتراني عندما علمت بتنظيم حوارات مصاحبة للمؤتمر استقطبت قمما فكرية وعلمية كالدكتور "أحمد عمر هاشم" رئيس جامعة الأزهر سابقا، والدكتور "أكمل الدين أوغلوا" الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وقمم سياسية كالأستاذ "عبد الرحمن بن حمد العطية" الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، ومعالي السفير "أحمد بن علي" نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية، ومعالي الدكتور "محمد هداية نور وحيد" رئيس هيئة البرلمان لمجلس النواب الإندونيسي. جزاهم الله خيرا.
وكان من ضيوف المؤتمر صاحب السمو الملكي الأمير "تركي الفيصل" الذي أكد وبصراحته المعهودة أن مساندة المملكة العربية السعودية للجهاد الأفغاني كانت بهدف تحرير أفغانستان من الاحتلال السوفيتي الشيوعي، وأن المملكة لم يكن ولن يكون لها أي صله بتناحر الأشقاء في أفغانستان، كما بين جهود البلاد في إيقاف نزيف الدم الذي ما زال سائلا هناك، مؤكدا أن ما يحدث حاليا من ترويع الآمنين على أرض أفغانستان هو إرهاب لا صلة له من قريب أو بعيد بالجهاد، أما القضية الفلسطينية فبعد عرض فيلمٍ وثائقي من إنتاج الجامعة عن القضية، تحدث معالي الدكتور "فهد السماري" فقال ما نعرف وما لا نعرف عن جهود المملكة العربية السعودية في خدمة القضية مؤكدا: (إن مواقف المملكة في دعم القضية الفلسطينية لا تنقطع ولا تتلون ودون وعود براقة وترتكز على أسس صحيحة)، وقد لفتت نظري مداخلة للدكتورة الفاضلة فاتن الحلواني الأستاذ في جامعة الملك عبدالعزيز فقد طالبت اللجنة العلمية للمؤتمر بإلحاق موقفٍ للملك فيصل رحمه الله في الفيلم الوثائقي -الذي عرض- يختصر كل المواقف، فقالت إنه يرحمه الله وقبل ساعات من استشهاده قابل الرئيس ياسر عرفات رحمه الله، وقال له: (إنني مُصرّ على تحرير القدس، إنّ أعزّ أمانيّ أن أصلي في المسجد الأقصى، أو أموت دون ذلك شهيدًا)، وأضافت الدكتورة فاتن: وقبل أن تغرب الشمس تحقّقت أمنية الملك فيصل ورُزق الشهادة، وبقيت الأمنية الأخرى، نسأل الله أن يُبلّغنا جميعًا حصولها، فيرزقنا صلاة في المسجد الأقصى قبل الممات.) الحقيقة أنها سامحها الله لم تتوقف إلا بعد أن أبكتنا معها، رحم الله رجلا مات وما زال يعيش بيننا يحرك فينا الهمم.
ولم أملك إلا أن أصفق بحرارة على مداخله الدكتور اليمني "فؤاد عبده البعداني" والتي جاء فيها: إن جهود المملكة ليست جهودا مادية فقط، بل إن أهم الجهود التي تقدمها المملكة تكمن في محافظتها على الهوية الإسلامية، مشيرا إلى أنه لم يشعر بالهوية الإسلامية إلا في هذه البلاد, فكثير من الأقطار الإسلامية تحاول أن تتنصل من الإسلام، في حين يفتخر أبناء هذا البلد بانتمائهم إلى الإسلام قادة وشعبا.
قال الله سبحانه وتعالى: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) وقال سبحانه: (وأما بنعمة ربك فحدث) هذه الآيات البينات تتحدث عن لب هذا المؤتمر، والذي نذكر به أنفسنا بواجبنا تجاه المولى سبحانه أولا، ثم تجاه وطننا الغالي المملكة العربية السعودية ثانيا، ثم تجاه العالم الإسلامي الذي هو بمقام الروح من الجسد، وأدعو المولى سبحانه أن يديم نعمته على هذه البلاد حكومة وشعبا، وأن يعيننا على نصر دينه وأمته وأن يجزي بعظيم فضله قادتنا الكرام وعلماءنا الأفاضل خير الجزاء إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وليتني أعرف كيف استطاع معالي الدكتور "محمد بن علي العقلا" نشر هذه الروح الغيورة المضيافة في فريق عمل يشع نشاطا وعطاء، فريق ينتمي إلى الجامعة الإسلامية قلبا وقالبا، فريق له دون شك دور فاعل في إنجاح هذا المؤتمر المبارك بإذن الله، كما أشكر احترام معاليه للعنصر النسائي وتقديره لجهودهن بارك الله فيه وأدام نعمته عليه وجزاه عنا خيرا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.