كشفت حوادث الانتحار والتحرش الجنسي بالأطفال عن مخاطر الألعاب الإلكترونية، هذا العالم الخفي والافتراضي، الذي صدم الآباء والأمهات في المجتمع، حيث يعتقد الكثير منهم أن هذه الألعاب هي فقط للتسلية والترفيه كغيرها من الألعاب الأخرى، وتقتصر الرقابة الأسرية فقط على خلو هذه الألعاب من المواد الإباحية والعنف والمخدرات والإساءة إلى الدين أو العقيدة، والحقيقة أن الأمر أخطر مما نتصور، ليس على الأطفال والمراهقين وحسب، بل على الكبار والبالغين أيضا، فهناك استخدام مفرط للإنترنت يصل إلى حد الإدمان من قبل جميع الفئات العمرية في المجتمع تتمثل في فتح البريد الإلكتروني، الألعاب، التسوق، مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر، فيسبوك، إنستجرام، سناب شات... إلخ)، المواقع الإباحية، تحميل الأفلام والموسيقى.
وتعتبر الألعاب الإلكترونية من أكثر الممارسات انتشارا بين الأطفال والمراهقين، وقد أصبحت هذه الصناعة أكبر حجما من صناعة السينما العالمية، وأكبر من شبكة القنوات الفضائية والاتصالات، وتحقق أرباحا سنوية تصل إلى أكثر من 248 مليار ريال، وبهذا المبلغ الضخم ليس من المستغرب أن تشكل هذه الألعاب تحديا خطيرا يواجه كافة المجتمعات في العالم، وتتسابق إليه الشركات في تنافس محموم للاستثمار في هذه الصناعة للاستحواذ على أكبر عدد من اللاعبين.
في الأسبوع الماضي، نشرت قناة العربية نت على موقعها في الإنترنت تقريرا بعنوان «لماذا تخرج ألعاب فيديو (حرب الكواكب) إلى النور؟»، وقد تضمن هذا التقرير كيف تتسابق شركات تصميم الألعاب ومنها شركة ديزني في تصنيع لعبة جديدة تتضمن القدرة على الإثارة ولعبة يعود إليها الناس مرة بعد أخرى للمشاهدة والاستمتاع، والسؤال المطروح هنا: هل مثل هذه الألعاب تبدو آمنة حتى وإن ارتبطت بفئات عمرية معينة، أم أنها تنطوي على مخاطر لا يدركها الناس؟.
كما ذكرت آنفا في بداية المقال، يعتقد الغالبية أن الرقابة على الألعاب الإلكترونية تقتصر فقط على خلوها من العنف والجنس والإساءة، وتحديد الفئة العمرية (أطفال- 12 سنة - 18 سنة)، ولكن هذه الألعاب يتم تصميمها على أساس الإدمان عليها مثل الإدمان على المخدرات والكحول، فكلما طال وقت اللعب أصبحت اللعبة أصعب، فيدخل اللاعب إلى مستويات جديدة تتطلب مهارات أكثر وتحديا أكثر ومكافآت أكثر، وليس هذا وحسب، بل يشترك في اللعبة عدة لاعبين، الأمر الذي يطيل أمد اللعب إلى ساعات طويلة دون أن يشعر اللاعب بالوقت فيصاب بالإرهاق والتعب وتشتت الذهن والانفعال والغضب والاكتئاب وفقد السيطرة على النفس والانهيار العصبي.
ونظرا لأن الألعاب الإلكترونية يشترك فيها عدة لاعبين فإن الأطفال يشاركون في الغالب هذه الألعاب الجماعية التي تتيح الدردشة والتحدث وتبادل الرسائل، والكلام مع الكبار والغرباء الذين لا يهدفون إلى اللعب فقط، مع استعمال الكاميرا الرقمية في جهاز اللعب، وبالتالي فإن الطفل يكون فريسة سهلة للمجرمين والمتحرشين، فيستطيع هؤلاء الحصول على معلومات أثناء اللعب مع الطفل مثل معرفة المنزل، وما إذا كان وحيدا، ومتى يخرج الأب والأم ومتى ينامان، ومدى صرامة أو تساهل الوالدين فيما يتعلق باستخدام الإنترنت، وكذلك نمط حياة الطفل، كل هذه المعلومات تتوافر للمجرم أو المتحرّش قبل أن يبدأ بمحادثة انفرادية مع الطفل، ثم يبدأ باستدراجه من خلال المديح والتشجيع على طريقته في اللعب، والطلب منه الانضمام إلى فريقه، والذين هم في الغالب مجرمون ومتحرشون أيضا يحيطون بهذا الطفل ويساعدون بعضهم بعضا، وكأنهم لا يعرفون الآخر تماما مثل قطيع الذئاب.
ما ذكر آنفا عن مخاطر الألعاب الإلكترونية على الأطفال ما هو إلا غيض من فيض، فهناك الكثير من المخاطر، وما حالتا الانتحار لطفل في أبها، والطفلة في المدينة المنورة، وكذلك حالة التحرّش، إلا دليل على عظم هذه المخاطر على أطفالنا، وكثيرا ما يحذر خبراء التربية وعلم النفس، والمتخصصون في جرائم الإنترنت من مخاطر الألعاب الإلكترونية والإنترنت وتأثيرهما على سلوك وتصرفات الأطفال والمراهقين، والحديث السابق فقط كان عن مخاطر ألعاب الفيديو، ولكن ماذا عن دخول الأطفال في مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الجنسية والبريد الإلكتروني، ناهيك عن تأثير ذلك على تصرفات وسلوك الكبار والبالغين، فإذا كانت الدول المتقدمة مثل أوروبا وأميركا يشتكون من الجرائم التي تقع على الأطفال بسبب الإنترنت ولديهم آباء وأمهات متعلمون تعليما جيدا، وغير ذلك من وسائل الدعم المتطورة، فماذا عن باقي المجتمعات التي ظهر فيها الإنترنت وتطور الاتصالات فجأة في ظل عدم توفر وسائل حماية كافية للأطفال؟.
في الأشهر الماضية وخلال الجلسة الخامسة والعشرين وافق مجلس الشورى على ملاءمة دراسة مقترح مشروع نظام الرقابة على الألعاب الإلكترونية، المقدم من عدد من الأعضاء، استنادا للمادة 23 من نظام المجلس، ويتألف مشروع النظام من 14 مادة، ويهدف للحد من المخاطر والآثار السلبية للألعاب الإلكترونية على الأطفال، ونأمل أن يظهر هذا النظام على أرض الواقع في أقرب وقت ممكن مع التوسع في دراسة هذه المخاطر، والنظر في أن يكون هذا الموضوع من اختصاصات الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، والتوجه إلى فرض المزيد من الرقابة، والمزيد من القوانين السيبرانية الفعالة مع وجود توعية شاملة للمجتمع لهذا الخطر المحدق بنا.