مايكل سينج*


بدأت وثيقة «إستراتيجية الدفاع الوطني» للولايات المتحدة، التي أصدرها وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس في يناير الماضي، بجملة موجزة لا تزال آثارها على السياسة الأميركية عميقة. إذ تشدد على أن «المنافسة الإستراتيجية بين الدول، وليس الإرهاب، هي الآن الشاغل الرئيسي للأمن القومي للولايات المتحدة». ونظرا إلى تركيز واشنطن بصورة مباشرة على الإرهاب منذ 11 سبتمبر 2011، وخوضها حربين كبيرتين ومشاركتها في حروب صغيرة متعددة - ويعود ذلك إلى حد كبير لمكافحة الإرهاب، يُعتبر هذا التحول في غاية الأهمية.

لقد كانت مشاركة الصين المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط أقل تفاعلا من مشاركة روسيا، ولكن من المرجَّح أن تكون أكثر أهمية على المدى البعيد. ومع نمو اقتصاد الصين، ازدادت أيضا مصالحها الاقتصادية في الشرق الأوسط، الذي يُعد بالنسبة لبكين مصدرا للطاقة والاستثمار، فضلا عن وجهة لرأس المال والعمالة الصينية.

وسيرا على النمط الجيِّد السائد للقوى الناشئة، والذي اتّبعه الدبلوماسيون والجنود الصينيون منذ البداية، أرسلت بكين قوات بحرية لحماية طرق التجارة وإجلاء المواطنين المحاصرين وسط الصراعات الإقليمية، بالإضافة إلى إرسالها مبعوثين خاصين لسورية، وللصراع الإسرائيلي -الفلسطيني، ولقضايا أخرى لضمان مكان للصين على الطاولة الدبلوماسية. ويمكن القول إن فك ارتباط الولايات المتحدة عن المنطقة والفراغ المترتب على ذلك في القيادة الدولية قد زادا جميعهما من مدى إلحاح هذه الأنشطة وجاذبيتها بالنسبة إلى القادة الصينيين.

وتتشابه المصالح الصينية والأميركية في الشرق الأوسط بشكل ملفت. فدول الخليج العربي تزود الصين بجزء كبير من نفطها وغازها الطبيعي المستورد، وهذه تبعية يمكن أن تنمو في السنوات القادمة. وفي المقابل، ازدادت قدرة الولايات المتحدة على الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بإمدادات الطاقة لديها.

 ومع ذلك، فمثلما تتغيرَّ إستراتيجية الولايات المتحدة، يحدث أيضا تحول في إستراتيجية الصين. فمع تنامي مكانة بكين الاقتصادية والسياسية في المنطقة، فقد سعت إلى بذل المزيد من الجهد من أجل الاضطلاع بدور قيادي - من خلال عقدها مؤتمرات دبلوماسية حول قضايا مثل سورية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني - وانحازت بشكل متزايد في نزاعات الشرق الأوسط. وكما هو الحال في أي منطقة أخرى، فقد عززت روابط اقتصادية عميقة وأدمجت نفسها في البنية التحتية الحيوية في المنطقة.

وبطبيعة الحال، من غير المرجَّح أن تؤدي المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة والصين في الشرق الأوسط إلى احتمال وقوع صراع فحسب، بل أيضا إلى قيام تعاون بين البلدين. فلا يستمتع أي طرف باحتمال تحمل أعباء المنطقة وحده، أو بأن تصبح المنطقة مسرحا لصراع القوى الكبرى. ومع ذلك، فإن التعاون لا يعتمد على تحديد التهديدات والفرص المشتركة في الشرق الأوسط فحسب، بل على تصور المنافسة الإستراتيجية بين الدول بطريقة تكون محصلتها صفر على نحو كامل، أي لا يكون فيها تكافؤ بالربح والخسارة. وإذا استطاع الطرفان القيام بذلك، فإن المصالح المشتركة للولايات المتحدة والصين في منطقة الشرق الأوسط قد تصبح مصدرا للتخفيف من التوترات الثنائية في آسيا، وليس امتدادا لها.



 *مدير إداري في (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط) - الأميركي